(شبكة ومنتديات الشميلات الرسمية)  
الوطن هو الانتماء و الوفاء والتضحية والفداء كلمة الإدارة


الإهداءات


العودة   (شبكة ومنتديات الشميلات الرسمية) >

®§][©][ المنتـــــديات العـــــــامه][©][§®

> المنتدى العـــــام

المنتدى العـــــام [ منتدى الحوار والنقاشات العامة في كافة القضايا المختلفة ]

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-04-2010, 03:57 PM   #1
alshemailat
 
الصورة الرمزية متواضع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 4,021
متواضع is on a distinguished road
افتراضي «أشجان».. علمتني الخط الأجمل

إيمان الكرود ـ الرياض :


كلٌّ منا مليء بنقاط ضعف فالكمال لله وحده ولكننا نختلف في موقفنا تجاه هذه «المضعّفات» فبعضنا يتقن التعامل معها والبعض الآخر يسقط من أول مواجهة، فنقاط الضعف مثل البشر تمامًا أحيانًا لابد أن نبارزها وجهًا لوجه وإذا كانت أقوى من أن نواجهها حينها لا بد أن نلجأ إلى مهادنتها والتعايش السلمي معها، وإن كان الإصرار على الانتصار عليها في المعركة الدائمة فهذه القوة المطلوبة.
كنت أعلم تمامًا أنني لم أعط موهبة الخط ولكن لم يكن ذلك الأمر يضايقني البتة بل كنت أردد دائمًا في نفسي قول الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى بالمرء فخرًا أن تعد معايبه
لذلك لم أكن آبه كثيرًا عندما تلفت نظري مشرفة المادة إلى سوء خطي، منبهة إلى ما يسمى بإدارة السبورة (يا إلهي حتى السبورة تحتاج إلى إدارة!!)، أو عندما تعلق إحدى زميلاتي على خطي مازحة جادة، فالكمال لله وحده والجمال جمال الجوهر لا المظهر، فأنا معلمة ولست خطاطة ثم ألا يكفي أن يكون خطي مقروءًا حتى ولو بعد جهد جهيد؟! ولكن هذا الاعتقاد الراسخ زال تمامًا عند أول فرصة حقيقية أرى فيها خطي على حقيقته، أذكر ذلك اليوم جيدًا. كنت قد فرغت لتوي من الكتابة على السبورة وطلبت من طالباتي نقل ما خطته يميني في دفاترهن، وتوجهت إلى مؤخرة الفصل، وحين حانت مني التفاتة إلى السبورة راعني المنظر فهناك كان لي فرصة لقاء مع السيد خطي وجهًا لوجه ولأول مرة أشعر بالخجل الشديد، إذ ما رأيته كان أفظع و«أفضح» من أن يوصف، حيث تراقصت الحروف على السبورة في منظر عجيب، وأبى كل حرف إلا أن يؤدي رقصته وحده فهذا حرف قد مال يمنة، وهذا آخر انبطح يسرة، وهذا حرف أصر على أن يتقدم الحروف فيعلو عليهن، بينما قنع آخر بأن يكون أسفل الركب، فضلاً عن الأسطر «المتموجة»، فهذا سطر قد توجه إلى الشمال الشرقي أما الآخر فقد انحدر إلى الجنوب الغربي، بينما اختار ثالث جهة الغرب!! ولم أجد بدًا وقد أسفرت لي الحقيقة عن وجهها إلا أن أعترف بالمشكلة وأسلم بالهزيمة! ووجدتني في مواجهة مشكلة حقيقية أبحث عن حل. توجهت غداة ذلك اليوم إلى أشهر مكتبة في منطقتنا باحثة عن بعض الكتب التي تعلم رسم الحرف، وتساعد على تحسين الخط، ولملمت ما وجدته من كتب وبدأت رحلة التعلم وتقليم خطي مما شابه من ترنح وتشتت، وإذا أنا طفلة السادسة من جديد تتعلم فك الخط ورسم الحروف، ولكن رغم كل الجهد الذي بذلته لدرء مصيبتي لم يطرأ على خطي إلا تحسن طفيف، أوليس يقال إن التعلم في الكبر كالنقش على الماء، إذًا لابد من البحث عن خطة بديلة، وبينما دار صراع محموم داخلي بين الحلول والبدائل، إذ عيني تقع على جهاز الحاسوب الآلي، فصرخت بأعلى فرحتي كأرخميدس: وجدتها وجدتها لماذا لا أستغل هذا الجهاز وأستفيد منه في حل مشكلتي، ومن يومها بدأت رحلتي مع هذا المتمكن العجيب، الذي أدين له بحفظ ماء وجهي في كثير من المواقف، فأفرغت كل حنقي على سوء خطي إبداعًا وابتكارًا متآزرة في ذلك مع مقدرات الحاسوب وصبره الفذ، فسبورتي التي كانت مضرب المثل في الفوضى وعدم الترتيب أضحت منظمة مرتبة تسر الناظر، وقد صفّت عليها بطاقات كتبت بخط جميل أنيق، وتراصت عليها صور متنوعة تخدم موضوع الدرس وهدفه وكان لذلك أثر كبير في تشويق طالباتي وجذب انتباههن، بل إنها ساعدتني على حفظ وقتي في الحصة وسرعة توصيل المعلومة وصرت أتفنن في اختيار الخطوط وما هي إلا برهة من الزمن حتى غدوت خبيرة خطوط من الدرجة الأولى وصرت أستشار (نعم أستشار) من قبل زميلاتي عن أفضل الخطوط ولا عجب في ذلك، ألم أقض الساعة تلو الأخرى في تجريب الخطوط واكتشاف الجديد منها وكنت أتحرز كل الاحتراز من أن أشوه جمال السبورة بشيء من خط يدي، وكم كنت أتنهد الصعداء عندما أجد معلمة الحصة السابقة كفتني المشقة وتركت التاريخ مكتوبًا على السبورة.
ومن المواقف الطريفة أن والدة إحدى المتميزات من طالباتي في المرحلة الابتدائية شكت لي سوء خط ابنتها، وأبدت انزعاجها الشديد من ذلك الأمر، وكنت في داخلي أحمد الله أنها لا تعرف أن معلمة ابنتها تشكو المشكلة ذاتها، ولكن عندما طلبت مني أن أدرب ابنتها على الخط أسقط في يدي، وإذا هي غريق يستغيث بغريق، وكنت أمام أحد خيارين أحلاهما مر، إما أن أعترف لها بعقدتي المستمرة وأواجه عواقب هذا الاعتراف، أو أن أستر على نفسي كما ستر الله علي فأرضخ لطلبها وأدرب ابنتها على الخط، وبدل أن تتدرب واحدة تتدرب اثنتان، وكان أن اخترت الخيار الثاني وقضيت فصلاً دراسيًا كاملاً أدرب طالبتي وأتدرب معها وأنا أرثي في نفسي لحالها. ومن أظرف ما حصل لي أيضًا أني كنت قد كلفت بطباعة مجلة اللغة الإنجليزية في المدرسة التي كنت أعمل بها، وحرصت كل الحرص على أن تظهر هذه المجلة في أبهى صورة، وركزت جل جهدي في اختيار الخطوط بحيث يعكس كل خط روح الموضوع، بل ويكشف للقارئ شيئًا من شخصية كاتبه، فكلمات أطفال السادسة والسابعة اخترت لها أحد الخطوط الذي يحاكي رسم حروفه كتابة طفل مازالت علاقته مع القلم في بدايتها، بينما اصطفيت للشخصيات الكبيرة أحد الخطوط الرصينة الرزينة، وكذلك الحال بالنسبة للمواضيع؛ فالمواضيع ذات طابع الإثارة كتبتها بخط يسمى خط الأشباح (أعتقد أن اسم الخط يوحي بشكله) وهلم جرًّا. ولكن ربما لسوء حظي عندما شرعنا في المدرسة في الطباعة انقلبت الخطوط رأسًا على عقب، وإذا بالخطوط الجميلة التي أضعت الوقت في اختيارها قد اختفت وحلت مكانها خطوط قبيحة، وفي أفضل الأحوال خطوط مألوفة مملة ولم يكن أحد ليفهم سر حنقي لحظتها، إذ لم يعلموا أن من أمامهم مصابة بمتلازمة عقدة الخطوط من الدرجة الأولى!! والآن وبعد أن تركت مهنة التدريس أجدني أتذكر مشكلتي هذه وأنا أبتسم، إذ لولا الله ثم سوء خطي ما كنت لأحصل على سبورة جميلة مرتبة.
همسة للمعلمة الناشئة حول نقاط الضعف
حتى في اللحظات النادرة التي نحاول فيها أن ننظف ذاكرتنا وننفضها مما علق بها من ذكريات ومواقف وأشخاص تظل بعض المواقف عالقة وتبقى بعض الشخوص متشبثة، وكأنها قد التحمت بنسيجها أو نسجت داخلها نسجًا.
مازلت أذكر تلك الطالبة جيدًا فمعرفتي بها بدأت قبل أن أراها بفترة ولا أدري لماذا بقيت هذه الفتاة في ذاكرتي من دون غيرها اللواتي طوتهن صفحة النسيان، هل لأنها برزت في أول سنة من حياتي العملية ونحن كبشر نظل دائمًا نذكر البدايات وبين البداية والنهاية تضيع أشياء ربما لا تقل أهمية عما حفظته لنا ذاكرتنا، أو ربما لأن هذه القصة تدغدغ فيّ مشاعر النجاح ولذة النصر ونحن دائمًا ما نميل إلى تذكر ما يزيدنا ثقة و«نتغافل» مع السبق والإصرار عن ترصد كل ما يكشف لنا عن ضعفنا وفشلنا. أيًا كانت الأسباب تظل الحقيقة واحدة وهي أن هذه الطالبة علقت في ذاكرتي، كنت قد انسلخت من صفوف الطالبات وودعت كليتي الحبيبة رغمًا عني ولسان حالي يقول:
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
وانضممت في غضون شهرين أو أقل إلى صفوف المعلمات. أذكر ذلك اليوم كما أذكر هذا اليوم لم أكن مهيأة في داخلي لذلك الدور، وكان لا يزال في داخلي تلك الطالبة الصغيرة فكنت أشعر وكأني ألبست رداء يفوق حجمي أضعافًا، فأنا أتعثر في هذا الرداء كلما حاولت المسير ولا أجد ثوبي الذي ألفته وألفني فقد تركته في كليتي الحبيبة مع ما تركت من ذكريات ومشاعر وآمال.
ما أزال أراني في تلك الأيام وقد جلست أستمع صامتة إلى ثرثرة المعلمات وأحاديثهن التي تشعبت وتفرعت فكأني أشاهد بثًا تلفزيونيًا مباشرًا لأحد برامج الصباح، فمن أحاديث المطبخ إلى الموضة والأزياء إلى مشاكل الزوج والأولاد. فجأة انتقل الحديث إلى الطالبات ومشاكلهن، ومن بين أسماء الطالبات اللاتي تجلجلت في القاعة، اسم واحد هو الأكثر ترددًا لا لأن صاحبته هي الأكثر شعبية في المدرسة بل لأنها المطلوب رقم واحد في القائمة السوداء. سألت المعلمة التي بجانبي «هل هناك قوائم سوداء وقوائم رمادية وبيضاء ياعزيزتي؟» قلبت بسرعة قوائم أسماء الطالبات اللاتي كلفت بتدريسهن لأتأكد من لونهن، كلها بيضاء ولله الحمد، ولم أجد اسم تلك الطالبة من بينهن حمدت الله فأنا مازلت في أول الطريق وردائي مازال طويلاً بل أحس أنه يزداد طولاً كلما استمعت أكثر لأحاديث المعلمات، فالعلاقة أضحت طردية بين ردائي وأحاديث المعلمات، فكلما طالت أحاديثهن طال ردائي وخشيت على مشيتي من الربكة أو التعثر، وخلال هذا البث اليومي المباشر من غرفة المعلمات كنت قد أخذت تصورًا كاملًا عن هذا الجيل الجديد الذي أدركت منذ البداية الهوة العميقة التي تفصل بينه وبين جيلي.
أنظر إلى صفحة كتبتها في مذكراتي في تلك الأيام: «ها هي الأيام تمر سريعًا فقد مضى شهران وقد بدأت أعتاد ردائي لا لأني ازددت طولًا خلال تلك الفترة القصيرة ولا لأنه قد انكمش فأضحى في مقاسي ولكني بدأت أتعلم كيفية التعامل معه وقوانين السير والمسايرة»، تدخل علي المشرفة في أحد الأيام لتبلغني أن أحد زميلاتي قررت ترك العمل وسيتوجب علي أن أحل مكانها، لا جديد في الموضوع فأنا أعلم هذا الأمر مسبقًا. «اسمعي أنت معلمة طموحة ومثابرة ومجتهدة........» قبل شهرين فقط كنت سأغرق في الأحلام الوردية وأنا أستمع لهذا المديح، ولكن تجربتي خلال الشهرين الماضيين قد علمتني أن سيل المديح الذي يأتي بدون سبب هو تمهيد لشيء شنيع سيذكر بعده! كنقد أو تكليف صعب، فهو كالمخدر الذي يضعه الطبيب للمريض قبل العملية، قاطعتها في ملل «ثم ماذا؟»، «ولكن لا بد أن تعلمي أن هذا الفصل هو الفصل الأكثر شغبًا في المدرسة وهناك......» تتردد قليلاً ولكن الاستفهام الذي ارتسم في عيني يشجعها على إكمال الحديث «لكن هناك الطالبة أشجان» تصمت لتختبر ردة فعلي «الطالبة أشجان لقد سمعت هذا الاسم من قبل ولكن متى يا ترى؟!»، فجأة تقفز إلى ذاكرتي غرفة المعلمات والقوائم السوداء فأهب مذعورة «لا ليس الآن!!».
مر أسبوع وأنا أعمل كمخبر سري أجمع الأوصاف وأستمع للشهود لأقرر خطة الهجوم أو ربما حتى الدفاع إذا استلزم الأمر. كل أصابع الاتهام تشير إلى المدعوة «أشجان» كمحرض الشغب الأول. أعاود قراءة ما دونته عنها: سليطة لسان عنيدة قوية الشخصية قيادية من الدرجة الأولى ترفض السيطرة، والضحايا من المعلمات يؤكدن أنهن لم يتركن وسيلة لم يجربنها معها وحتى والدتها في المنزل تشتكي منها وتعلن أنها رفعت لها الراية البيضاء منذ زمن بعد أن أعيتها الحيل في التعامل معها، والطريف في هذا الموضوع أن والدة أشجان «المشاغبة» هي مديرة إحدى المدارس وهي مشهورة بحزمها وشدتها!!
اليوم بدأت ساعة الصفر وحانت لحظة المواجهة أردد في داخلي قبل دخول الفصل:«اللهم أعني ولا تعن عليّ وانصرني ولا تنصر عليّ وامكر لي ولا تمكر عليّ» أدخل الفصل وعيناي تفتشان عن فتاة فارعة الطول ضخمة الجثة مرعبة النظرات تسمى «أشجان» ولكني لا أجد فتاة تنطبق عليها هذه الأوصاف. «الحمد الله يظهر أنها لم تحضر اليوم». أقرأ أسماء الطالبات «أمل أميرة أشجان...» ترفع إحدى الطالبات إصبعها أنظر في استغراب، أعاود قراءة الاسم، تعيد رفع إصبعها من جديد. أهمس في استغراب: «هل أنت أشجان؟» تهز رأسها موافقة. سبحان الله صحيح معظم النار من مستصغر الشرر.
كنت خلال الأيام الماضية أبحث في ذهني عن الطريقة المثلى للتعامل مع تلك الطالبة وقررت أن أغامر وأبدأ من حيث انتهت المعلمات وهذا ما كان، وبعملية ذهنية بسيطة أدركت التشابه بين سجن الطالبة في دور محدد وسجن الممثل في دور معين، أوليس الجمهور قبل أي أحد هو الذي يرسم لممثل ما دورًا معينًا لا يسمح له أن يستبدل به غيره حتى إذا ما تجرأ هذا الممثل يومًا وخرج عن دوره المألوف تعالت الأصوات بالاستنكار وطالبه جمهوره بالعودة إلى تلك الشخصية التي ألفوه في ردائها وأحبوه داخلها، فممثل الكوميديا فاشل في أدوار التراجيديا وإن برع فيها واستدر الدموع وأبكى العيون قليلًا، والعكس صحيح وما ذلك إلا لأن الجمهور قد عرفه في بداية حياته ككوميديان بارع وأحبه في هذا الدور وارتبط شخصه في عقلهم الباطن بشخص الكوميديان الظريف، فهو يأبى أن يبدل هذا الدور بغيره فيظل هذا الممثل في كثير من الأحيان حبيس دور معين حتى وإن سئمه. وهذا هو بالضبط حال الكثير من الطالبات مع المعلمات، لا أعني أن في مدارسنا مسارح تمثيلية تتقاسم فيها الطالبات الأدوار بتوجيه من المعلمات، ولكن ما يحدث في الواقع قريب إلى حد كبير من هذا، فالفكرة المسبقة التي تحملها معلمة ما عن طالبة هي التي تحمل هذه الطالبة على الاستمرار في دورها المشهور عنها. فالروايات التي تسمعها المعلمة من زميلاتها المعلمات عن طالبة معينة والتي تبلغ في كثير من الأحيان حد التواتر هي التي توجه سلوك المعلمة تجاه هذه الطالبة من حيث لا تدري. فعندما تسمع المعلمة عن إحدى الطالبات المشاكسات تتولد عندها من حيث لا تعلم جميع وسائل التحفز والهجوم المضاد، والأخطر من ذلك كله الاحتقار الصامت ورغم أنه صامت فإنه يأبى إلا أن يعلن عن نفسه في النظرات وقسمات الوجه وردود الفعل المتوثبة، فالطالبة حتى في اللحظات النادرة التي تهم فيها بالعودة إلى طريق الصواب تفاجأ بنظرات الشك والريبة. أعود إلى «أشجان» بطلة قصتنا وأقول لا أدري أين قرأت تلك الحكمة التي تقول عامل الناس كما تريد أن يكونوا لأنك بهذا تساعدهم على أن يرتقوا بأنفسهم، انطلاقًا من هذه الحكمة قررت أن أعامل أشجان هذه كما أريدها أن تكون. فأنا أريد أن أخلق فيها الطالبة المؤدبة المهذبة المثالية ومن هنا بدأت أعاملها فعلًا كما لو كانت إحدى هذه الطالبات. وحكت لها هذا الدور بخيوط من صبر وحكمة ودراية. حاولت منذ لحظة اللقاء الأولى معها أن أمثل دور الجاهل تمامًا بها وكأني لم أسمع عنها من قبل أو أسمع بماضيها، فأظهرت لها قدرًا كبيرًا من الاحترام وأوكلت إليها الكثير من المهام التي توكل عادة للطالبات المتميزات وكنت أثني عليها كثيرًا، بل أهم من ذلك كله أظهرت لها ثقتي المتناهية فأنا أقبل منها الأعذار رغم أني في داخلي أعرف تمامًا أنها أعذار ملفقة، فهي كما كنت أقول لها دائمًا فتاة صادقة ولا يمكن أن تكذب، لا أستطيع أن أنسى مدى الدهشة التي كنت أراها في عينيها إثر معاملتي التي لم تعهدها من قبل. وكما توقعت بدأت تلميذتي الصغيرة تتقمص الدور الذي صنعته لها بمنتهى الإتقان، فمع بداية حصة اللغة الإنجليزية تتحول الطالبة المتمردة الخشنة الجافة إلى مخلوق وديع مهذب مؤدب رقيق وخجل أيضًا، بل متى ما أحست أنها قصرت في إحدى المهام طأطأت رأسها خجلًا واحمرت وجنتاها وتمتمت بصوت خفيض كلمات الاعتذار الصادقة، حتى إن سلوكها المثالي جعلني أطلب من باقي الطالبات أن يحذون حذوها. وإن أنس لا أنسى دهشة والدتها عندما جاءت تسأل عنها في مجلس الأمهات فوصفت لها أشجان الطالبة المثالية التي أعرف، نظرت إليّ الأم وعلامات الدهشة مرتسمة على وجهها ثم اختفت هذه العلامات فجأة لتحل مكانها أمارات الغضب والسخط لتقول لي وهي تهم بالمغادرة:أتهزئين بي يا ابنتي؟! ولم تقتنع الأم إلا عندما أكدت لها بأيمان مغلظة أن هذا هو حال ابنتها في الصف! في نهاية العام عندما أهديت الطالبات المتميزات في الفصل شهادات تقدير كان نصيب «أشجان» شهادة الطالبة المثالية. حينها لم تستطع إحدى الطالبات كتمان دهشتها فقالت: أشجان طالبة مثالية؟! أنا متأكدة هذه أول مرة تحصل أشجان على مثل هذا اللقب! انتهت السنة وانتقلت أشجان إلى السنة التي تليها وانتقلت أنا لأدرس المرحلة الابتدائية وانقطعت أخبار أشجان طالبة المتوسطة ولكن بقيت حقيقة مهمة وهي أنها علمتني درسًا لن أنساه في فن التعامل، وأهدتني تجربتها همسة للمعلمة الناشئة تقول:
ثق بالناس وسوف يعطونك بسخاء، عاملهم باحترام وتقدير وسوف يرتقون بأنفسهم حتى يكونوا أهلًا لهذه المعاملة، فقط أردت أن أقول بهاتين القصتين أن «المظهر» لا يكفي فقط لنجاح المعلم حتى وإن كان خطه جميلًا مزوقًا بل لا بد من «المخبر» الذي هو الأهم.


..منقول..
متواضع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 04:13 PM   #2
alshemailat
 
الصورة الرمزية سحرالغرام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 12,466
سحرالغرام is on a distinguished road
افتراضي رد: «أشجان».. علمتني الخط الأجمل


متواضع..

شاكره لك كل الشكر لروعة طرحك
دائماً تتحفنا بالمواضيع الرااائعه والمفيده
يعطيك ربي الف عافيه اخوي
لك ودي واحتراامي..
__________________
سحرالغرام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 08:34 PM   #3
[ [ اداريـــــــة ] ]
 
الصورة الرمزية شموخ
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 5,627
شموخ is on a distinguished road
افتراضي رد: «أشجان».. علمتني الخط الأجمل

متوااااضع يعطيك ربي الف عاافيه على المجهوود والطرح الراائع

كل الووود والاحتراااام لك

فاااالك طيب "
__________________
شموخ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 10:34 PM   #4
alshemailat
 
الصورة الرمزية متواضع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 4,021
متواضع is on a distinguished road
افتراضي رد: «أشجان».. علمتني الخط الأجمل

الأخت سحر الغرام
عافاك ربي ونورت الصفحة بمرورك
وتقبلي شكري وتقديري
متواضع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-2010, 10:36 PM   #5
alshemailat
 
الصورة الرمزية متواضع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 4,021
متواضع is on a distinguished road
افتراضي رد: «أشجان».. علمتني الخط الأجمل

الأخت شموووووخ
الرائع مرورك ووجود ردك
ونورت الصفحة
وتقبلي شكري وتقديري
متواضع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:06 AM.



Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لشبكة ومنتديـــات الشميـــلات الرسمية
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009