السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
عن الهيثم بن عدي. قال كان أبو العباس السفاح تعجبه المسامرة ومنازعة الرجال فحضرت ذات ليلة في مسامرة إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بني الحارث بن كعب وهم أخواله وخالد بن صفوان بن إبراهيم التميمي. فخاضوا في الحديث وتذاكروا مضر واليمن فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا وكانت لهم القرى ولم يزالوا ملوكاً أرباباً وورثوا ذلك كابراً عن كابر أولاً عن آخر منهم النعمانيات والمنذريات والقابوسيات والتبابعة، ومنهم من مدحته الزبر، ومنهم غسيل الملائكة، ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم من كلمه الذئب، ومنهم الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً. وليس شيء له خطر إلا وإليهم ينسب من فرس رائع أو سيف قاطع أو درع حصينة أو حلة مصونة أو درة مكنونة، إن سئلوا أعطوا وإن سيموا أبوا، وإن نزل بهم ضيف قروا لا يبلغهم مكابر، ولا ينالهم مفاخر، هم العرب العرباء، وغيرهم المتعربة.
قال أبو العباس السفاح: ما أظن التميمي يرضى بقولك. ثم قال: ما تقول يا خالد؟ قال: إن أذنت في الكلام تكلمت.
قال: أذنت لك في الكلام فتكلم ولا تهب أحد.
فقال: أخطأ يا أمير المؤمنين المقتحم بغير علم والناطق بغير صواب، فكيف يكون ما قال، وإن القوم ليست لهم ألسن فصيحة ولا حجة رجيحة. نزل به كتاب ولا جاءت به ا سنة، وهم منا على منزلتين: إن حادوا عن قصدنا أكلوا، وإن جازوا حكمنا قتلوا، يفخرون علينا بالنعمانيات والمنذريات وغير ذلك مما سنأتي عليه، ونفخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ولله المنة علينا وعليهم لقد كانوا أتباعه فبه غزوا وله أكرموا، فمنا النبي صلى الله عليه وسلم ومنا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور والمسعى وزمزم والمقام والمنبر والركن والحطيم والمشاعر والحجابة والبطحاء مع ما لا يخفى من المآثر ولا يدرك من المفاخر. فليس يعدل بنا عادل ولا يبلغ فضلنا قول قائل ومنا الصديق والفاروق والوصي وأسد الله وسيد الشهداء ذو الجناحين وسيف الله، عرفوا الله وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادانا اصطلمناه.
ثم التفت إلى إبراهيم فقال: أعالم أنت بلغة قومك؟ قال: نعم.
قال: فما اسم العين؟ قال: الجمجمة.
قال: فما اسم السن؟ قال: الميذن.
قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة.
قال: فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتر.
قال: فما اسم اللحية؟ قال: الذئب.
قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكنع.
قال: أفمؤمن أنت بكتاب الله؟ قال: نعم.
قال: فإن الله تعالى يقول: " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " ، وقال تعالى: " بلسانٍ عربي مبين " ، وقال: " وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومهِ " . فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل، ألم تر أن الله تعالى قال: العين بالعين، ولم يقل: الجمجمة بالجمجمة؛ وقال: السن بالسن، ولم يقل الميذن بالميذن؛ وقال: الأذن بالأذن، ولم يقل الصنارة بالصنارة، وقال: " يجعلون أصابعهم في آذانهم " ، ولم يقل شناترهم. وقال: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، ولم يقل بذنبي. وقال تعالى: فأكله الذئب، ولم يقل فأكله الكنع. ثم قال أسألك عن أربع إن أقررت بهن قهرت وإن جحدتهن كفرت.
قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم.
قال: فالقرآن نزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم.
قال: فالبيت الحرام لنا أو لكم؟ قال: لكم.
قال: فالخلافة فينا أو فيكم؟ قال: فيكم.
قال خالد: فما كان بعد هذه الأربع فهو لكم.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .