عندما بدأت كتابة الأعمدة الصحفية،
كانت رسائل القراء تصلني عبر البريد فأقرأها بنهم وأضمها وأشمها،
فرسائل البريد التقليدي تكون عادة طويلة ومكتوبة بخط اليد،
وتستغرق أياما طويلة لتصلك، وكنت أفرح بتلك الرسائل
وأعرضها على أم الجعافر فتطرب لها حتى لو كانت «نسائية»،
ثم مد الله في أيامي وحضرت عصر الانترنت
وصار عندي بريد الكتروني تصلني رسائل القراء عبره،
ولسنوات كان من عادتي طباعة الرسائل الالكترونية
التي تردني من القراء والاحتفاظ بها في ملفات..
كنت وما زلت اعتبر تلك الرسائل أكبر مكافأة أنالها من العمل الصحفي
وأهم من كل الخرابيط في سيرتي الذاتية المهنية..
وكنت أضع تلك الملفات حيثما اتفق في غرفة النوم
وأطالعها مرة كل بضعة أشهر..
ثم صرت لا أجد في نفسي الشجاعة لفتح بريدي الالكتروني
في وجود زوجتي على مسافة أقل من تلك التي يجوز فيها قصر الصلاة !! لماذا؟
لأن كثيرا من تلك الرسائل «ملغومة»..
مثلا تسلمت مرة،
وزوجتي تجلس الى جواري لأقرأ عليها نص رسالة تخصها وردت على بريدي،
رسالة عنوانها «أحبك يا أحلى أبو الجعافر»
وكان المرسل امرأة أو فتاة كما هو واضح من العنوان
الذي وردت منه الرسالة.. صارت عينا أم المعارك في حجم عيني البومة،
ودون أن انطق بكلمة (مستعيذا في سري من الشيطان الرجيم)
فتحت الرسالة وكان نصها ما معناه «أنت أحب الكتاب الصحفيين الى قلبي،
و»أحب» مقالاتك،.. يعني لم تكن هناك كلمة واحدة في متن الرسالة
تنم عن حب كاتبتها لشخصي، ومع هذا فقد اعتبرت زوجتي
كاتبة الرسالة قليلة أدب متسائلة: ليه ما خلت العنوان:
أنت كاتبي المفضل أو حتى المحبوب؟ قلت لها أن وصف صاحبة الرسالة
لي بأنني أحلى أبو الجعافر إساءة لي أكثر من كونه غزلا، لأنه
– حسب علمي – هناك ابو الجعافر واحد وكونه أحلى من نفسه
ذم بما يشبه المدح
ثم ظهر فيسبوك الزفت،
وأنشأ فيه عدد من قرائي السودانيين صفحة اسمها
«عشاق كتابات جعفر عباس»!! لحد هنا كويسين،
وصار أعضاء المجموعة يسمون أنفسهم «العشاق»،
وتردني إيميلات من معظهم فيقدم الواحد منهم نفسه باعتبار انه من العشاق..
وفي مناسبة اجتماعية عائلية في الخرطوم
قبل ايام وزوجتي تجلس بالقرب مني تقدمت نحوي فتاتان فحييتهما بالاسم..
لم أكن قد التقيت بهما من قبل ولكنني عرفتهما من صورتهما في
«فيس زفت»، وعرفتهما بزوجتي،
فصافحتاها بحرارة ثم فجرت إحداهن قنبلة:
نحن من عشاق الاستاذ ابو الجعافر!! كدت أصيح فيها:
يا رب عشراقة تجيب أجلِك، والعشراقة هي الفواق اي الزغطة...
وكانت الأقدار رحيمة بي لأن بنات عم زوجتي نهضن وصافحن البنتين
وهن يصحن: يا سلام .. فرصة طيبة.. نحن أيضا من قروب «العشاق»
ونعرفكما بالاسم والصورة بس الحمد لله التقينا في ساعة خير لنتعارف
ورغم ان ابنتي مروة تنحاز دائما لمحور الشر
إلا أنها كانت في تلك اللحظة في حالة سخاء عاطفي
وشرحت لماما حكاية قروب العشاق وفيسبوك
وأن بابا ليس له يد في ما يكتب في تلك الصفحة..
ولأن الطبع يغلب التطبع فقد ختمت مروة شرحها بالقول:
مافي واحدة عاقلة تعشق بابا العشق اللي في بالك يا ماما!!
ورغم التجريح الظاهر في هذا الكلام والطعن في كوني «أحلى أبو الجعافر»
فقد ابتسمت لمروة بصدق وقدمت لها هدية في اليوم التالي..
وكيف لا وقد انقذتني من سين وجيم
كان سيستغرق اسبوعا يتم فيه الاستعانة بخبير محايد لفتح تلك الصفحة
في فيسبوك وقراءة محتوياتها لإبراز دليل براءتي
من العشق والتعشيق الالكتروني
جعفر عباس
جريدة اليوم
11فبراير2011