ستة أطر للنظر من خلالها إلى المعلومة
جديد إدوارد ديبونو
وارد دي بونو، فلا بد أن يكون الموضوع متعلقا بالتفكير، فالكثير من مؤلفاته هي عبارة عن تقنيات مبتكرة تساهم في تطوير العملية الفكرية، كما أنه هو أول من أشار و أسس لعلم "التفكير الإبداعي" ووضع قواعد لهذا العلم زاعما أن بإمكان الفرد أن يتعلم مبادئ هذا النوع من التفكير، و يمارسه عن وعي !
ولا يختلف الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه عما سبقه من مؤلفات، فهو يتناول التفكير ويبحث له عن وسيلة تعينه على العمل و التعامل مع ما حوله من متغيرات و تقلبات في أساليب الحياة التي تزداد تعقيدا يوما بعد آخر، وحتى نكون أكثر دقة فإن بونو يحاول من خلال هذا المؤلف أن يعين العقل على التعامل مع الثروة الهائلة من المعلومات التي تحيط بنا. فما هي الأطر الستة ؟ و كيف يمكننا أن ننظر من خلالها إلى المعلومة؟ و وما هو المكسب الذي سنحققه في اتباع هذه الآلية؟
هذا ما سنقرأه سويا في الأسطر القادمة ...
كل ما حولنا يشير بأننا نعيش في عصر المعلومات ... فالمعلومة - حول أي شيء - في متناول الأيدي، ولا يحتاج الفرد إلى كثير عناء للحصول عليها، إذ تكفي بعض النقرات مع اتصال بالشبكة العالمية وتكون المعلومة أمام من يبحث عنها. فمن يبحث عن تشخيص لمرض ما يكفيه كتابة ما يشكو منه ليحصل على تفاصيل مرضه، ومن أراد السفر من مكان إلى آخر يجد أن حركة الملاحة الجوية العالمية موجودة في الشبكة، ومن أراد معرفة شيء عن أي شيء سيجد أكثر مما يبحث عنه في الشبكة العالمية!
فالحصول على المعلومة – إذن – أصبح لا يشكل تحديا كما كان في السابق، بل إننا نجد من المعلومات أكثر مما نحتاج إليها، بل و ربما أكثر مما تستطيع طبيعتنا البشرية استيعابه. وتمر علينا المعلومات و نمر عليها دون أن نتمكن من استخلاص كل ما فيها من فائدة، و لا شك بأن العقل لا يستطيع أن ينتبه لأكثر من شيء في اللحظة الواحدة، وحتى إذا ما انتبه إلى شيء يكون ذلك الشيء هو ما جذب انتباهك إليه لغرابته أو اختلافه و ليس لأننا قررنا أن نوجه فكرنا إليه. فلو – على سبيل المثال – كنت تقود السيارة إلى وجهة ما، فأي جسد ملقي على الطريق و الناس متجمهرة حوله، سيثير اهتمامك و ستوجه فكرك إليه لا إراديا بدلا من التركيز على ما هو مهم: الطريق و مخاطره!
ولهذا فإن فن توجيه الفكر نحو ما تريد من المعلومة تحديدا، ليس بالسهولة التي نتصورها لوجود الكثير من "المغريات" التي تصرفنا عن المهم في المعلومة. ولكن في المقابل، فإن إتقاننا لفن توجيه الفكر عند قراءة المعلومة سيعمل على الاستفادة القصوى من تلك المعلومة. ولنضرب مثالا لكي تتضح الصورة، فلو وقف شخص ما على الطريق ينظر إلى الألوان الموجودة حوله لربما لاحظ وجود اللون الأخضر و ربما الأزرق أو الأحمر، دون أن ينتبه كثيرا للتفاصيل. ولكن لو طلب منه البحث عن اللون الأحمر أولا ... ثم طلب منه النظر إلى اللون الأخضر و من بعدها الأزرق، فإن المحصلة النهائية للمعلومة ستكون أكثر دقة... فهو الآن سينتبه لوجود زهرة حمراء ملقية على الأرض، وتوجد سيدة في الجانب الآخر مرتدية رداء أحمر، وهناك سيارة عليها شعار أحمر اللون ... وهكذا – بتوجيه العقل للانتباه لأشياء بعينها – فإن المعلومة لن تكون أكثر دقة فقط، و لكنها ستكون أشمل كذلك! و ستكسب من محيطك معلومات لم تكن أصلا مجهزة أو معروضة لك!
وهذا هو ما يقدمه ديبونو في هذا الكتاب ... آلية نستطيع بها توجيه فكرنا نحو المهم في المعلومة، بدلا من أن نسرح في "الوضعية الآلية" للتفكير، بحيث أننا دائما ننظر إلى المعلومة بطريقة واحدة فقط، وغالبا ما تكون هذه الطريقة هي أيسر الطرق بالنسبة لنا – ولهذا سميت بالوضعية الآلية – فنستخدمها في قراءة المعلومة و نترك ما سواها من جوانب قد تكون أكثر فائدة.
فكرة ديبونو بسيطة، فهو يطرح ستة إطارات – أو سمها أشكال – ننظر من خلال كل واحد منها إلى المعلومة، وكل إطار يرمز إلى "كيفية" سيأتي ذكرها... وبهذا أنت توجه فكرك للانتباه في جوانب متعددة في المعلومة، و تفعل ذلك بانتظام لا يحير العقل! ويربط ديبونو "الكيفية" بأشكال مختلفة لكي يستنفر كل شكل كيفية معينة فتقول: فلأنظر إلى المعلومة من الإطار المثلث، ثم بعدها من الإطار الدائري ... وهكذا حتى تنتهي من الأطر الستة وتكون قد كسبت من المعلومة أكثر من مجرد القراءة العابرة!
وهو يرمز إلى "الهدف" الذي من أجله تبحث عن المعلومة. والمثلث ذو ثلاث زوايا كل واحد منها يرمز إلى سؤال، الأول: ما الهدف من البحث عن المعلومة؟ الثاني: لماذا أحتاج لهذه المعلومة؟ و الثالث: من أين يمكن لي أن أحصل على المعلومة؟
والهدف من طرح هذه الأسئلة هو أن يكون هدف البحث واضحا أمامنا بدلا من أن يكون في مكان ما خلف عقولنا، وبوضوح الهدف فإن المعلومة – المتوفرة أصلا، كما اتفقنا من قبل – ستكون فائدتها أكبر.
هو يرمز إلى "الدقة"، أي دقة المعلومة المتوفرة، و هل بإمكاننا الاعتماد عليها أم علينا التأكد من صحتها من مصدر آخر؟ طبعا لا يمكن التأكد من كل شيء، ولكن علينا أن نضع في الاعتبار أن المعلومة قد لا تكون دقيقة بما يكفي ولذلك فهناك أهمية أن نتحين الفرص للتأكد من ذلك.
وهو يرمز إلى "وجهات النظر"، و كل أضلاع المربع متساوية في الطول... وهكذا يتم التعامل مع وجهات النظر المختلفة. فمصدر المعلومة قد لا يكون دائما محايد، ومعرفة وجة النظر التي أتت منها المعلومة يساعد عادة في تقييمها ووضعها في مكانها المناسب.
وهو يعبر عن "الاهتمام"، و الإنسان عادة ما يبحث في الأمور التي يهتم لها و تستهويه، و لهذا فإن النظر إلى المعلومة من خلال درجة اهتمامنا بها يجعل الفائدة التي فيها أعمق.
وهو يعبر عن "القيمة"، القيمة الفعلية للمعلومة: هل لبت الحاجة التي من أجلها بحثنا عن المعلومة أم لا؟ هل جاوبت المعلومة السؤال المطروح؟ هل كسبنا قيمة حقيقية من هذه المعلومة أم لا؟ و الهدف من طرح هذه الأسئلة هو توجيه العقل للتفكير في قيمة المعلومة بدلا من قبولها على ما هي عليه.
وهو يعبر عن "النتيجة"، أي النتيجة النهائية التي توصلنا إليها من خلال بحثنا في المعلومة نفسها، وهل كانت النتيجة بخلاف ما كنا نعتقده من قبل أم أن قناعاتنا تعززت بالنتيجة التي توصلنا إليها من خلال البحث. وهذا المستطيل يدعونا للتفكير في النتيجة النهائية وما إذا كانت النتيجة كافية أم أننا بحاجة للبحث في مكان آخر؟
حسنا ... ما الذي استفدناه من كل هذا ؟ هل تقنية الأطر هذه مفيدة بالفعل أم أنها مضيعة لوقت لا نملكه أصلا؟! هل ستغير هذه التقنية من الطريقة التي ننظر بها إلى المعلومة أم لا؟
الجواب بطبيعة الحال عائد إلى المسؤول عنه بشكل أساس، ووجهة نظري أن هذه التقنية مفيدة للقارئ الباحث الذي يبحث في قضايا بعينها، سواء كانت اجتماعية أم سياسية أم دينية أم اقتصادية أم غيرها من مجالات البحث ... فهي أداة تتيح له التعمق في نظرته إلى المعلومة، و التاكد من فائدتها و مدى حياديتها، و من ثم معرفة قيمتها، و أخيرا تمحيص النتيجة النهائية و التفكر فيها.
أود في النهاية أن أنبه بأن ما جاء حول الأطر في هذه المقالة ما هو إلا الفكرة العامة للكتاب، وهناك تفاصيل أكبر و أهم في الكتاب نفسه، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتاب الذي لا غنى عنه لكل باحث يجد صعوبة في تمحيص المعلومات التي تتكالب عليه من كل جانب!