المال ماينفع عفون الرجاجيل
********
هذا شطر من بيت مشهور..
فماهي قصة هذا البيت؟ ولمن ؟
هذا البيت ل"هيا بنت عيادة بن راشد العوني" من بني سالم من قبيلة حرب.
في حدود عام 1350هـ كانت عند زوجها "مبشر بن مرزوق المزيني" من قبيلة حرب أيضاً، وكان رجلاً يملك جميع صفات الرجولة، من التقوى والكرم وحسن المعاشرة، ولكنه كان يعاني ضيق ذات اليد، مثله مثل غيره في تلك الفترة التاريخية القاسية من حياة أسلافنا.
وفي إحدى المرات زارها والدها، ولما رأى ما هم عليه من قلة اليد أشفق عليها، فأخذها معه لتزور والدتها وإخوانها ، ولتمضي عندهم بعض الوقت، لكن والدها تأخر في إعادتها الى زوجها بعض الشيء، وكانت تفضل أن تعيش مع زوجها على فقره ولا تعيش في بيت والدها مرفهة، وذلك لما رأته في زوجها من خصال المروءة، وطيب النفس، وحسن المعاشرة لها.
وفي أحد الأيام سمعها والدها تتغنى ببعض الأبيات، وهي لم تشعر بوجوده بقربه منها، فتقول:
يا مل عينٍ حاربت سوجة المِيل
على عشيرٍ بالحشا شب ضوّه
******
عليك ياللي طبخته نصفها هيل
اللي سعى بالطيب من غير قوّه
******
المال ماطيّب عفون الرجاجيل
والقلّ ما يقصر براع المروّه
******
يا عنك ما حس الرفاقة ولا قـيل
ذا مغثيٍ ما ينّزل حول جوّه
******
له عادةٍ يـنطح وجيه المقابيل
هذي فعوله بالمراجل تفوّه
*****
أجواد نسل أجواد جيلٍ ورا جيل
الطِيب فيهم من قديمٍ وتوّه
******
فخرج عليها والدها، وطلب منها أن تعيد عليه الأبيات، فرفضت، فألح عليها حتى أسمعته اياها كاملة، فأعجب بها وبتقديرها لزوجها، وقام بإيصالها الى زوجها على الفور، ومعها حمل جمل من الأرزاق والقهوة، هدية لزوجها ومساعدة له على ظروفه العابرة، وتقديرا لمروءته وشهامته.
توفيت هيا يرحمها الله في حدود سنة 1371 هـ، كما توفي زوجها مبشر في بلدة دخنة جنوب مدينة الرس، في العشر الآواخر من رمضان، سنة 1415 هـ، صائما قائما، بعد عمر حافل بالاستقامة وطاعة الله ومكارم الاخلاق،ولا نزكي على الله احدا
رحمه الله وغفر له، ولجميع من في القصة، ولجميع أموات المسلمين.
انظروا إلى ما أعجب هذه الشريفة في زوجها، وأنها خصال الرجولة، وليست مالا أو غنى أو وسامة، فضلا عن أن يكون إعجابها به لمجرد امتلاكه سيارة فارهة، أو لقصة شعرأو اقل من ذلك، كما قد يقع عن بعض فتيات زماننا والله المستعان.
وتأملوا كيف كسب الزوج زوجته رغم فقره وشدة حاله، وأن الدين والكرم والرجولة والخلق الحسن والاحترام والشهامة تجذب الكريمة من النساء، فتحب زوجها وتصبر على الحياة معه بسبب ذلك، مهما اشتدت عليها الحياة معه.
وتأملوا أخيرا موقف الأب النبيل، فهو يختار لابنته الرجل الكفو، فيعيد ابنته إلى زوجها رغم فقره وشدة حاله، وذلك لما شهدت به الزوجة من كريم خصاله ورجولته.