[[ ذكرى فارس ]]
هل غادر الشعراء من متردم؟!
غادرونا وتركونا محملين بالوحشة ومشمولين بلوعة الغياب،
وجعلونا ننتظر قادماً أكثر صفاء ونقاء،
وما الذي يقدمه رسول جمال وجلال أكثر من ذلك؟
منذ أن تلقيت خبر رحيله وأنا أحاول استيعاب أفكاري،
كتبت كثيراً وحذفت،
بعض الفواجع تحول ما نقوله إلى غثاء لا يغني من حزن ولا يسمن إلا الأسى.
هي أكبر منا، أصعب من تعابيرنا الخاصة،
حين نتلقاها لا نملك إلا أن نصمت وأن نحترق،
نحتاج للتعبير عن شعورنا بها إلى لغة أخرى لم نصل إليها بعد.
الحزن بقدر الأمل.
وكان المأمول كثيراً، كان لديه كثير مما لم يقله بعد،
وكنا نحتاج رأيه في كثير مما نراه ونقرأه ونسمعه،
هو لا يبخل، ونحن لا نرتوي،
وعسى أن نكون بقدر أمانيه بنا وأحلامه لنا.
أثار الحراك الثقافي حيثما توجه،
وألم بالثقافة لا بوصفها جرعة معرفة يتباهى بها النخبة من الناس،
بل حولها بطريقته إلى كتب، ومصانع ومحطات، ومفاهيم، وقرارات، وممارسات إدارية يومية،
وكان ذاك بعض نجاحاته المتعددة.
في وطني يحتاج المفكرون أن يكونوا على فراش الموت حتى (تفسح) أفكارهم،
حتى وهو يودعنا نبهنا إلى حقيقة موجعة،
اختار أن يأتي معلماً فغادر معلماً.
في كثير من المجالات: الثقافة، الإدارة، الإجتماع، الفنون، الدين، الصناعة،
سنبقى طويلاً نردد ما قبل غازي القصيبي وما بعده،
أتعبهم وهم يمشون بجانبه وسيتعبهم وهم يحاولون اللحاق به.
لن يخلد في تاريخنا الوطني بصفته شاعراً كبيراً، أو روائيا عظيماً، أوإدارياً متفوقاً.
هناك من انجزوا وهناك من سينجزون أكثر منه، لكنه سيخلد لأنه قدم قدوة كبيرة للشاعر الكبير والروائي العظيم والإداري المتفوق معاً.
الآن، أصبح ينتمي للقادم.
الآن كبر لتعم حياته حيوات أخرى كثيرة قادمة،
الآن أصبح حياً مرة أخرى،
الآن ستتكرر حياته أبداً.
رحمه الله وغفر له.
بقلم : عبدالواحد اليحيائي