بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا المتصفح تتجلى الذائقة لنقدم لكم أجمل
ما قيل من القصائد النبطيـــة .
(1)
حــل الفراق
محمد العبدالله القاضي
التعريف بالشاعر
هو شاعر النبط الكبير محمد بن عبدالله القاضي من بني تميم القبلية العربية . . . من أكثر شعراء النبط وأغزرهم إنتاجاً وأقواهم معنى . . . شهد له الجميع وأشاد به نقاد الشعر النبطي على اعتبار أنه من الظواهر الفريدة بالشعر النبطي القليلة التكرار .
ولد شاعرنا في (( عنيزه )) بالقصيم سنة 1224هـ وفيها توفى سنة 1285هـ عاش حوالي 61سنة نبغ بالشعر منذ صغره وكان حاوياً للخصال الحميدة فقد كان القاضي رحمة الله كريماً إلى حد يفوق الوصف حتى إنه لما قال قصيدته المشهورة في مدح أهل عنيزه بلدته والتي منها هذه الأبيات :
يا عل بـراقٍ حقـوقٍ خيالـه
محنٍ مرنٍ مرجحـنٍ وهطـال
يسقي مفالي ديرتن ضـم جالـه
ما يعجب الناظر يشوفه ويهتال
دارٍ لنا ودادي الرمه هو شمالـه
غربية الضاحي وشرقية الجـال
دارٍ لنجد مشرّعه كم عنـا لـه
راجعي و محتاجٍ ولا جي ونزال
ولما نظم تلك القصيدة قال له أمير ((عنيزه)) بذلك الوقت ((عبدالله بن سليم)) بماذا تكون المكافأة أيها القاضي ؟
فقال القاضي مكافأتي أن تكون عندي ضيافة كل ضيف يأتي لكم في اليوم الثاني بعدكم مباشرة . . . لا يسبقني أحد
فقال الأمير هي لك وكان القاضي رحمه الله من الوجهاء الأغنياء في بلدته . . . ولما بلغ الأربعين من عمره توقف تدريجياً عن نظم الشعر وتوجه إلى أمور الدين ودراسته فنسح صحيح البخاري كاملاً بخط يده علماً بأنه كان معتدلاً في بداية حياته بالغزل.
وفى أواخر أيام شاعرنا محمد القاضي اعترته الأمراض فأنهكته وهدت قواه وبدأ يصارع المرض حتى صرعه المرض فتوفاه الله وكانت آخر قصيدة قالها بحياته قصيدته المشهورة والتي سميت ((توبة القاضي)) وفيها يتجه إلى الباري عز وجل يطلبه العفو .
حــل الفراق
حل الفراق وبيـح الوجـد مكنـون
قلبٍ تعايوا فيـه شطريـن الأطبـاب
حيران قلبـي بالزناجيـل مسجـون
في سجن ابن يعقوب أنحى وهو شاب
وبي علة أيوبٍ وغربـال ذا النـون
وبي عبرة المكظوم أناجبت ما جـاب
وبي زفرة ٍ كل المـلا مـا يطيقـون
معشارها لو هي بصـمّ الصفـا ذاب
لا شك ما يكتب على العبـد بالكـون
يجري قضاه وكل شيء لـه أسبـاب
لي بين حرف العين والصاد مضنون
والكاف طاف بزين تلعـات الأرقـاب
غروٍ شعاع الشمس يوضي بمقـرون
حجاجه قناديل الحـرم بيـد شبّـاب
لحظيه مسلولٍ مـن الهنـد مسنـون
وحراب يطعن بـه ويعلّـق بنشّـاب
بين شفتيه من أشرف الدر مثمـون
حصٍّ وياقوتٍ بهن صـرف الألبـاب
به سحر هاروت ومـاروت مقـرون
والصرف يغذى من جبينه وينجـاب
كامل وصوف الزين أنا منه مطعـون
بسهم يسلّ الروح بـه سـل دولاب
وبقيـت مشغـوفٍ هبيـلٍ وخلّـون
مثل الطريح اللـي تدالتـه الأسبـاب
يا علي قتل الروح هو ذكر مسنـون
تفتـون بأيّـا مذهـبٍ حـلّ وكتـاب
روحٍ تسـام وسيّمـه بـاع مديـون
يا من يسوم الـروح للخيـر كسّـاب
فصخت ثوب الستر وأبديت مضمون
سدٍّ فضحه النـوح والدمـع سكّـاب
يحـق زعـج الدمـع دمٍّ لمفـتـون
قلـبٍ وعيـنٍ مغريـات بالأحبـاب
متحمّلٍ لـو قالـوا النـاس مجنـون
فأنـا لمـا قالـوا صميـمٍ وعتّـاب
ما لامن أحدٍ لو عن الحـال يـدرون
ومن لامني بمـورّد الخـد ينصـاب
تشيله رياحينٍ مـن الجـانّ يـدوون
بالسبع سبع سنين مـا عنـه نبّـاب
في حب غطروف برى الحال وادعون
بري القلم في كـف شطـرٍ وكتّـاب
جاني من أقرابي نصاحـى يعـزّون
قالوا سفا بالحال ياحيـف منصـاب!
علام جسمك ناحـل؟ قلـت مطعـون
قالوا بعقّ؟ قلـت بحـراب الأحبـاب
قالوا من أنت بحربته؟ قلت تـدرون
إني كمـا حيـران (حمّـام منجـاب)
عرّضتكـم بالله لا لــي تعـذلـون
ياناس كثر القول والنصح مـا ثـاب
قالوا تصرّ من الهوى قلـت فاتـون
عن حال مفتونٍ بحـوري الأتـراب
قالوا هبيـلٍ قلـت قالـوا (لمجنـون
ليلى) مثل هـذا وأنـا عاصـيٍ آب
ياناس عنكم شاطن القلـب مشطـون
أنتـم تـرون الحـال منتـم بغيّـاب
أنا بوادي التيـه وأنتـم تهرجـون
بيني وبين هرجكـم ستـر وحجـاب
كان إنكم ترضـون باللـي تعرفـون
محيي العظـام الباليـة رب الأربـاب
والله ماأسمع هرجكـم لـو تلجّـون
بالصوت يندب منكم الشيخ والشـاب
إلا إن سمع فرعون ما قال هـارون
أو يسمع الميت نبـا صـوت نحـاب
أظن من وصل الدرك لـه يعـذرون
كل الخلايق لو رمى عنـه الأسـلاب
وعقلٍ عْرِجْ به وأذهل الذهن مرهون
روحـه لكنّـه بيـن لاوي وجـذّاب
ياعلي حـدّ النفـس مادونهـا دون
ولا مـع الحييـن ترجيـن بحسـاب
منـي صـلاةٍ عـدّ كايـن ومكيـون
على النبي والآل منـي والأصحـاب
((محمد العبدالله القاضي)) |