منور الثامر المهيد =يعيد بناء منبر صلاح الدين
::
الشيخ منّور المهيد
في خطوة عظيمة دخل بها التاريخ من أوسع أبوابه قام المهندس منور ثامر المهيد رئيس كلية الفنون الإسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن بإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي ، الذي أقدم صهيوني استرالي متطرف اسمه مايكل روهان، على حرقه عام 1969, بالإضافة إلى أكثر من ثلث مساحة المسجد الأقصى , أي نحو 1500 متر مربع, وكانت النتيجة إحراق أعمدة وأقواس وزخارف وأجزاء من القبة الداخلية كما احترق المنبر وأجزاء من المحراب.
يعد منبر صلاح الدين من أعظم آثار المسجد الأقصى ومدينة القدس لما يحمله من ذكرى استرجاع المدينة المقدسة من قبضة الصليبيين بعد الانتصار عليهم في معركة حطين الحاسمة ودخول مدينة القدس في 2/تشرين أول 1187م.
ويجسد منبر صلاح الدين تاريخيًّا الانتصار على المحتلين “الفرنجة” حيث استعمله صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس، كما يعتبر فنيًّا التحفة الوحيدة من نوعها لأنه لا يوجد منبر مماثل في حجمه أو حجم الزخارف الموجودة فيه والتي تعتمد على فن التعشيق والحفر على الخشب من كلا الجانبين ودام ما يقارب الـ 800 سنة .
المهندس منّور المهيد
وفي بحث دام 12 سنة عن مهندس كفؤ قادر على إعادة فك رموز هذا المنبر التاريخي وإعادة تشكيلته الأساسية ومن ثم إعادة بنائه فكانالمهندس منّور ثامر المهيد الفائز في مسابقة رسم مخطط للمنبر لأن نظريته كانتمقنعة لذلك جسدها في أطروحة دكتوراه ناقشها في بريطانيا.
وفي فلم وثائقي من انتاج الـ BBC عرض مؤخراً على قناة الجزيرة الوثائقية يوضح لنا أن المهندس منّور المهيد والذي جاء من أعماق البادية ومن أصول بدوية عريقة . أخذ مسالة المنبر على عاتقهكدين لأمته وفخر لنفسه . فانطلق من الأصل منحلب حيث صنع المنبر أول مرة. انطلق من هناك ليفهم عقل الرجل الصانع وهو (ابي الحسن الحراني الحلبي ) الذي قام بصناعة المنبر الاصل وبحث عما يشبهما بقي من زخرف لم يشتعل. ووجد الخيط الأول في محراب قديم. ثم انطلق .
مع الملك عبدالله الثاني
مع الملك عبدالله اثناء النزول من المنبر
ويوضح لنا الفلم الوثائقي انه بعدما جهز المخطط النظري بدأت مرحلة التجسيد وكيف واجه المهندس منور المهيد صعوبات البحثعن حرفيين. فأكبر معضلة أن هؤلاء قد انقرضوا ، واننا نواجه حقيقة ضياع صناعة وفن بأكمله ولم يعد هناك من يمارسه لنجد ان الحل جاء من بريطانيا وهي من احتضنت هذا المهندس الكبير الذي تخرج منها يحمل الى جانب شهادته في الهندسة وفاءً جعله يثابر في حصوله على هذا الشرف العظيم ، في بريطانيا حيث تأسست أول مدرسة لجمع خيرة المتخصصين في فن الزخرف الإسلامي ثم إلىعمان حيث أول معهد في نفس الاختصاص .
وفي الأطروحة دكتوراه التي ناقشها المهندس منّور المهيد في بريطانيا ومن الاكتشافات التي توصل اليها هي تلك اللوحات على جدران منبر صلاح الدين ، فكل لوحة صممت على طريقة هندسية جيومترية وهي عبارة عن مجموعة من الدوائر تنطلق من مراكزها إلى محيطها ومجموعة من الخطوط تشكل مجموعات هائلة من الأشكال الهندسية، تقوم بدورها بتشكيل الآلاف من اللوحات الهندسية، حيث بالإمكان آخذ لوحة واحدة وفصلها عن المجموع ووضعها في إطار وهذا السر الذي اعتمد عليه المصممون في رسوماتهم للمنبر.
واكتشف ايضا خلال بناء المنبر العديد من الأسرار، مثل الأشكال في أعلى الجزئين الأيمن والأيسر للمنبر إذ وجد هناك لفظ الجلالة، وتحتها اللوحة الخماسية التي ترمز إلى الوحدة الإلهية، أي أركان الإسلام الخمسة، وتحتها لوحة سداسية ترمز إلى الرسالات السماوية ونعتبره أكمل الأشكال إذ يرمز إلى الإنسان الكامل، أي الرسول.
كما اكتشف أن رسومات المنبر تجمع بين أشكال هندسية وأشكال لها علاقة بالفلك والرياضيات والعلوم والخط العربي، وأن رسومات المنبر تمثلت فيه فنون الزخرفة الهندسية والزخرفة النباتية والخط العربي والمقرنصات والخراطة والتطعيم بالعاج والأبنوس والتعشيق وهي الأنماط الستة الرئيسية المكونة للفن الإسلامي.
المايسترو الدكتور المهندس منّور المهيد يوقع بعقله وبتصاميمه
بدأ التحدي للمهندس منّور المهيد في عام 2002 واستغرق العمل نحو اربع سنوات وشارك فيه نحو 30 حرفياً و11 باحثًا وكان الفنيون من كافة أنحاء العالم الإسلامي، وكان المايسترو الدكتور المهندس منّور المهيد يوقع بعقله وبتصاميمه حركةجديدة في الفن والتاريخ. فقد أعاد فنا وأنقذه من الاندثار وأعاد معلما تاريخيابعدما احترق في انتظار اللحظة التي يستعاد فيها التاريخ نفسه وتستعاد لحظة دخولالمنبر فاتحا لا متسللا عبر الحدود
تم بناء المنبر الحديث بنفس طريقة المنبر الأصلي وبأسلوب هندسي هو الأول من نوعه في العالم ليأتي المنبر نسخة طبق الأصل لمنبر صلاح الدين الأيوبي الذي طاله الحريق، حيث بلغت كلفته مليونين و200 ألف دينار.
اثناء استقبال الملك في كلية الفنون الاسلامية التي يرأسها منّور المهيد
من أكثر الأمور تحدياً في هذا العمل هو تجميع 16.500 قطعة بعضها لا يتعدى طوله المليمترات القليلة في بناء فني طوله ستة أمتار بدون استخدام مواد تثبيت من صمغ أو مسامير أو براغي أو غراء بل باستخدام طريقة التعشيق لإنتاج ما يمكن تسميته بفن المنبر.
ومن المصادفات أن أبي الحسن الحراني وهو صانع المنبر الأصل ومنّور ثامر المهيد صانع المنبر الأخير هما من مواليد مدينة حلب ، وهذا إن دل فهو يدل على أن هذه المدينة العريقة نجابة للعظماء .
فهنيئاً لقبيلة الفدعان وللأمة العربية والاسلامية بهذا الرجل العظيم الذي أعاد لنا رسم تاريخ عمره 800 سنة .
مع تحيات اخوكم ابو عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ