وابن دعيجا اللي بيته كما الحيد == وابن سمير اللي بفرع الشمالي
فـ خلف بن دُعَيْجَا .. !قمة في الكرم ، و الشيم ، والوفاء ، والنخوة ، ومكارم الأخلاق .. له في هذا قصص نادرة ، ومواقف متأبية إلا على مثله ، فهو مثال نادر في جيله ، ونموذج يذكرنا بأعلام العرب الذين نتلقى أخبارهم وآثارهم التي تشبه الأساطير .
نشأت خلف بن دعيجا في قبيلته الشرارات ملء السمع والبصر ،ونبه ذكره ،وطار صيته .. مما جعل زعماء العرب في جهته تنافس وتلتمس له مغمزاً ، أو تجد له هناة ..
سبب تسميته "مهودي على روس الفطر:
سبب ذلك أن أحد الجربان من شيوخ شمر الكبار .. سمع بأن ابن دعيجا يقطن في أرض جرداء في زمن الربيع ،لا أثر فيها للحطب ، ولا للحجارة مما سوف يحرجه إذا حل به ضيف .. فمن أين يجد الحطب لطهي ذبيحته ؟ ! .. ومن أين يجد الحجارة لنصب قدوره عليها ؟! .. وجدها الجربا فرصة للإحراج .. وكان في غزو كبير يبلغون المئات ، فحل ضيفاً على ابن دعيجا بكامل غزوه .. فبادر ابن دعيجا بإحضار ثلاث جزر كوم(ثلاث نياق) وذبحها في الحال ،وكشط جلودها عن أسنمتها ،ووضعها في القدور ، وأوقد عليها من يابس العشب وقليل العرفد حتى ذابت ، ثم غمس ما لديه من الخام في ذوب هذه الأسمنة من الودك ، وعمد إلى رؤوس الجزر(رؤوس البعارين) ونصبها أثفي للقدور ،وأوقد عليها بالخام المشبع بالودك .. وهكذا حتى قدم لهم طعامهم ،وبسط لهم في قراهم .. ويأبى الله إلا إن يعين الكريم وينجي الشجاع .
ولم يكن هذا الجانب المشرف من جوانب شخصية ابن دعيجا هو أبرز جوانبها ..بل إنه عرف بالنخوة ، وضرب به المثل فيها ، واستغلها فيه من شغفهم الوجد وأضناهم الحب وبرح بهم الغرام .. ممن أحبوا وحال بينهم وبين من أحبوا سلطان الحجر (التحجير)، وعوائد القبيلة ، لأن المحبوبة حجرها ابن عمها القريب لنفسه وحرمها على من سواه إلا برضاه ، ولو كانت لا تريده ن ولو كان فارق السن كبيراً ولو كان فارق المستوى أكبر .. ولكن هؤلاء المحرومين يجدون في ابن دعيجا متنفساً ، ويجدون في احراجه وسيلة تبلغهم مآربهم ،إما بالمال ، أو بالجاه ، أو بالشعر ، أو بأية وسيلة تدنيه وتوصله إلى مأربه .
"واليكم احد فزعاته":
نزل به ( عيادة بن رخيص الشمري ) ..فبثه مابه ، وشكى وأمعن في الشكوى .
وشفع ذلك بشعر ،قال فيه:
يا راكب حمرا تسوج الحبالـى == كم ذيرت من راتع عند جـران
تلفى خلف قل يا خلف من غدالي == فكاك ربعه يوم روغات
الأذهان
لعل ما يجري لك اللي جرى == ليهم عن المطعوم والنـوم قـزن
تقطعت كـل العـرى والمدالـي == أفزع لنا يا شوق ميـاح الأردان
فأجابه خلف بقوله:
عياد فان اللي جرى لك جـرى لـي == شربت شفق ورحت عيـاد ظميـان
لوبي سباحة دوبـي اسبـح لحالـي == لاشك أنـا باللـي حوالـي بلشـان
اصبـر ومـض أيامهـا والليـالـي == كم قالة كبرت وخيـر آمرهـا هـان
مير اصتبر لا يختلف بـك محالـي == لما تجيـك الدايـرة مثـل ذا ألـوان
يا ولاد مكلب فـوق حيـل جلالـي == ولا لي بكم غير اريش العين غرضان
ولم يزل يلاحق قضيته حتى أدرك له محبوبته .
" قصة اخرى لنخوة ابن دعيجا ":
هذا محسن الربشاني ، ,قد أحب احدى بنات (احد القبائل) حباً مبرحاً ،وعلق بها فلم يستطع قلبه أن يسلوها ..فلاذ بابن دعيجا ، وجعل بيته مستقراً له .. فحاول ابن دعيجا أن يقنع محيسناً بأنه هذه البنت ليست من قبيلته ،وليس له عليهم دالة ، وأبوها أمير قبيلته ،ومن أين له أن يدركها ..وهاهو بيتي ، وإبلي وولدي ،وبندقيتي عطية لك مني فاعفني من ذلك ولكن هذا العاشق ( محيسناً ) أصر على أن يجعل نخوته برقبته ، وأن لا يبرح الأرض حتى يدركها له .. وقال :
يا راكب حمراً من الني تبنـي == ومرودمن غير الدفوف السنامي
ترعى زهر نوار برقاً جذبنـي == مرباعها ما بين شرق وشامـي
وعيونها جمر الغضـا يلتهبنـي == والاسراج مروطنيـن الكلامـي
تلفى لبيت كنـه الحيـد مبنـى == راعيه قطاع الفـرج المظامـي
لا يا (خلف) يكفيك هم ركبنـي == حيثك على الشدات رجل تحامي
غش العراق الله يجيرك ضربني == وقام يتساوق مع مفاصل عظامي
على حبيبـن بالمـودة سلبنـي == سلبة عباتن في يدين الحرامـي
فرد عليه خلف بهذه القصيدة :
قيفان من صدر الفهيـم انهذبنـي == لولو ومرجـان مـلاوي كلامـي
يا راكب اللي للبلـد مـا جلبنـي == قطم الفخوذ معربـات الأسامـي
ما لافتن عن أول الذوذ لا بنـي == وما لا فتن للحشو يوم الفطامـي
من نسل هرش بالهدد له يجبنـي == يطلق عليهن يـوم كـل ينامـي
وما قيظن يرعن رمـام وتبنـي == ولا صفرن قاع الجوى والوخامي
مرباعهن (فيحان) ثـم اقتلبنـي == يرعن زهر نوار عشب الوسامي
يلفن على اللي من ربوعي == ندبنييا جايبين العلـم دمتـم ودامـي
إن كان ذودي للحبيـب يجبنـي == دونك نياقي قـد لهـن بالتمامـي
دونك قعودا لبيت والبيت وابنـي == وبي قلة العقـلا علينـا حرامـي
مع بندق لفظات فمهـا يصبنـي == ولهاعلي الضد المناحر مرامـي
البيض قبلك يا محيسـن لعبنـي == لعب الهوى برهيفـات الخيامـي
والببض جعل البيض ما يرتحبني == هويهن يرمـى عليـه التهامـي
يصلني بالبيـر مـن لا جذبنـي == صل الرشا من فوق هدف المقامي
محيسن على حوض المنايا عقبني == حثرب على الجنه قليل الرحامي
لزم محيسن بين ابن دعيجا ،وآلى أن لا يفارقه حتى يدرك له محبوبته ،مما اضطر ابن دعيجا لأن يذهب إلى قبيلة محبوبة محيسن ،ويبقى فيهم أجيراً متنكراً يرتقب الفرص ، ويدير الحيل لعله يدرك فرصة يدرك بها بغيته ، وفي هذه الأثناء أغير على هذا الحي الذي هو فيهم - حي (قبيلة الفتاة) - فبرز شجعان الحي للدفاع عن أفسهم ومالهم ومحارمهم ،وبرز من بينهم شجاع فاتك لا يشق له غبار ، يجتال الخيل اجتيالاً ، مما جعله سبباً في نصرهم ، وصد العدو المغير عنهم ، فجعل بعضهم يسأل بعضاً من يا ترى هذا الفارس الذي برز هذا البروز ، وفعل هذا الفعل ؟ .. وإذا به خلف ابن دعيجا فارس مفوه يعرفه الفرسان ..فاجتمعوا حوله وجعلوا يسألونه .. ما الذي أتى بك ؟. وما سبب انحداره بنفسه ليكون أجيراً فأخبرهم الخبر ، وقال :
أنا بلوني الناس وأنـا تبلويـت == وصارت عليه من كبار البلاوي
ذا لي ثلاثمية وخمسين مضيت ==وأنا بسببها عند أهلها فـداوى
يفيد أنه أخذ ثلاثمائة وخمسين يوماً أجيراً عند أهل محبوبة محيسن من أجل النخوة .. فابتدر شيوخ (القبيلة) ،وطلبوا البنت من أبيها بالجاه .. فأدركوها وحملوها مع قيمها ومع ابن دعيجا إلى حيث أهله، وحيث يجاور محيسن عندهم .. ولما وصلوا وجدوا محيسناً قد قتله الحب وفارق الحياة منذ أيام ،فأرجعوا البنت إلى أهلها .. وظلت قصتها قصة نخوة عجيبة غريبة ، تضاف إلى مآثر ابن دعيجا وأخباره الجملية .
وهكذا يفعلون في سبيل النخوة ، والعادات الكريمة ،والشيم ، ومكارم الأخلاق .
مـــــــــــــــــــــــنـــــــــــــــقـــــــــ ـــــــــــــــــــــول