شِجَارُ الأبناء.. مشكلة لها حل!
لا نبالغ إذا قلنا أنه لا يكاد بيتٌ يخلو من الصراخ والصخب ما دام فيه أطفال صغار، فهم بالتأكيد مصدره، إذ لا يخلو لعبهم من الاختلاف والتشاجر الذي يعلن عن نفسه بين الحين والآخر بأصواتهم تتعالىبالصراخ، ويتكرر ذلك منهم بشكل يومي، وأثناء الزيارات العائلية، عندما يكون الأبناء مع أترابهم من الأقارب، فينقسمون إلى أحزابٍ.. بعضهم ضد بعض، وقد تعلو أصواتهم فتعكر صفو الجلسة العائلية للكبار! فما هو سبب هذا الصراخ؟
إنّ الصغار يتشاجرون..!!
أمي .. أخي أخذ قلمي!
أبي .. تامر يستهزيء بي ويسخر مني!
أمي .. لقد ضربني أحمد وجرح يدي!
أليست هذه هي بعض العبارات التي تتردد يوميا بين الأطفال أثناء مشاجراتهم؟
بلى..إنّ الشجار بين أبنائنا يعتبر سمة من سمات العلاقة بين الأطفال، ولكنه قد يتحول إلى مشكلة تولِّد الكراهية والحقد بين الأبناء، إذا تعاملنا معها بشكل سطحي أو بطريقة خاطئة.
وللمشاجرات أنواع:
- فهناك مشاجرات تحدث بين البنات والبنين الأشقاء:
حيث نجد الأطفال الذكور يحاولون السيطرة على البنات، وإشعارهن أنهن في الرتبة الأقل دائماً، وأنه يتوجب عليهن خدمة الذكور، والعكس غير صحيح أو غير لائق أو غير مقبول، وهذا التمييز يسبب للبنات شعوراً قوياً بالاستفزاز والإهانة، و يجعلهن متحفزات دائماً ، ومن ثمّ يحمى وطيس المعارك بين الفريقين.
- وهناك المشاكل التي تحدث بين أخ و أخ، وغالباً تكون بسبب:
1ـ محاولة الكبير السيطرة على الأخ الصغير وتحديد ما يجب وما لا يجب.
2ـ الاختلاف على قنوات التليفزيون وأماكن الجلوس.
3ـ الصراع على النفوذ الأسرى أو العائلي.
4ـ المشادات الكلامية المستفزة غير اللائقة أحياناً.
5ـ الخلاف حول الأموال والممتلكات.
- بينما نجد أن أكثر المشكلات بين أخت وأخت تدور حول:
1ـ التنافس على حب واهتمام الوالدين.
2- مقارنة الصغرى نفسها بالكبرى.
3- خلافات مستمرة بسبب تقسيم أعمال المنزل والطبخ والشراء.
4- خلافات ناجمة عن استعمال الأشياء الخاصة (ملابس-أدوات الزينة).
5- الغيرة بسبب تفوق إحداهن على الأخرى في الجمال، وكثرة تعليقات الآخرين على ذلك (عبد الله عبد المعطي:كيف تكون أباً ناجحاً؟،ص:63).
الأسباب:
إذا حاولنا التعرف على أسباب الخلافات والمشاجرات بين الأبناء، فسنجد أنّ:
- بعضها قد يرجع إلى الموروثات الثقافية لدى الوالدين، والأسلوب الذي تربى به كل منهما في صغره، مثل: تفضيل أحد الوالدين أو كليهما لأحد الأبناء دون الآخرين، أو للبنين على البنات، وهو فِكر لا يزال موجودا عند الكثيرين من الآباء في الوسط العربي؛ مما يولّد لدى الفتاة العربية الكراهية والحقد الشديد تجاه (الرجل)، في صورة شقيقها الذكر، مما قد يسبب لها مستقبلاً العديد من المشاكل النفسية أو الاجتماعية.
- كذلك أسلوب الوالدين في التعامل مع الأبناء، فالسلبية واللامبالاة قد توفر بالتأكيد مناخاً خصباً للمشاجرات بين الأبناء، حيث يجدوا في ذلك وسيلة جيدة للفت نظر الوالدين أو جذب انتباههم.
- عدم تربية الأبناء على أدب المزاح وضوابطه، ففي كثير من مواقف الشجار المحتدم بين الأبناء، وبعد الاستفسار منهم عن الأسباب يتبين أن أحدهم ألحق الأذى بأخيه ضرباً، أو شتماً، أو سخرية واستهزاء، بدعوى أنه يمزح معه!!
- حب السيطرة وامتلاك الأشياء من أحد الأخوة ضد إخوته، أو تسلط أحدهم على إخوته إزاء رغباتهم المختلفة، مثل: تغيير قنوات التلفزيون أو أماكن الجلوس.
- الشعور باضطهاد الكبار، ومحاولة الصغار إسقاط مشاعرهم في صورة معارك ضارية، ينفّسون فيها عن مشاعرهم السلبية.
إدارة المشاجرات فن:
إنّ تحكُّمك عزيزي المربي في غضبك وطريقة حديثك، وتعبيرات وجهك، والعبارات الصادرة منك أمام أبنائك، يعتبر عاملاً أساسياً للسيطرة على موقف الشجار بطريقة صحيحة.
ولا نستطيع أن نعدك عزيزي القارئ المربي بحلول تنهي شجار الأبناء، فإنهم بذلك يتحولون إلى أطفال غير طبيعيين، ولكن من خلال تعديل أسلوب التربية، ومعالجة المربي لمواقف الشجار بين الأبناء بطريقة هادئة حكيمة، قد ينجح في ترشيد خلافاتهم المتكررة، وإكسابهم قيماً إيجابية للخلاف، ترافقهم طوال حياتهم.
فلتبدأ من خلال هذه النقاط محاولة جادة وجديدة لإدارة شجار الأبناء بطريقة هادئة وفعّالة:
1- لا تحاول أن تكرر ودون أن تدري، ما كان يفعله أبواك معك كأساليب العقاب أو التهديد، بل اتبع أسلوبا جديدا كنت تتمنى أن يعاملاك به وأنت طفل.
2- انظر لأبنائك وكأنهم مرآة لك، فصوتهم العالي وأسلوبهم في التعامل هو انعكاس لصوتك العالي وصراخك، بل واستخدامك للعنف والضرب أحيانا!
3- درّب نفسك جيداً على التحكم في أعصابك وألا يثيرك شجارهم وصخبهم، جرّب أن تكتم غضبك لدقائق بعيداً عن أبنائك وستجد أنً غضبك يتسرب منك ويبقى التفكير الهادئ في سبب شجار الأبناء لتعالجه بهدوء، كما أنّ الكلمات الطيبة، وعبارات التشجيع على ضبط النفس، واللمسات الحنونة لها أثر كبير في تهدئة غضب الأبناء، فلا تستغن عنها أو تبخل عليهم بها.
4- وإذا حدث وتشاجر الأبناء في مكان عام، فلا تخجل أو تفقد أعصابك وتحاول أن تُنْهِي الموقف بالضرب أو إهانة الأبناء، ولكن كن هادئا، ولا تغضب، و تذكر أنّ كل الناس عندهم أطفال وقد تحدث لهم مثل هذه الأمور.
وأخيراً ...عزيزي المربي
تأكد أنّ للخلافات أحياناً فوائد، فمن الخلافات يتعرف الأبناء على بعضهم البعض، ويجرّبون المشاعر المختلفة من الانتصار وتقبل الهزيمة.
كما أنهم سيتعلمون أخلاقاً لا تنبعث من النفس إلا في مثل هذه المواقف، مثل المِرَان على كظم الغيظ، والتحكم في النفس، وضبط اللسان، واحترام خصوصيات الآخرين، والتسامح، والاعتذار، والرجوع عن الظلم.
كذلك من الممكن أن تدرّبهم على أسلوب التفاوض، فإذا اختلفوا على شيء فخذه منهم وأخبرهم أنه يمكنهم استرجاعه بعد أن يصلوا إلى حَلٍّ واتفاق، وأنّ التزامهم بهذا الاتفاق سيضمن لهم الاحتفاظ بهذا الشيء.
وحاول أن تشغلهم دائماً بما ينفعهم، وأن تقلّل أوقات فراغهم الغير مخطط لاستثمارها، ولكن اشغلهم بما يفيد، ولا تجمع البيض في سلة واحدة.
وتذكر أن تربية الأبناء وظيفة ممتعه وثرية، لا يجد لذتها إلا من استعذب صراخها وبكاءها.