سارق الحليب.....سرقته حلال

سارق الحليب .. سرقته حلال!


قبل أيّام، وصلني عبر البريد الالكتروني، مقطع لصبي مراهق

يبدو عليه من لهجته ولبسه وإيماءاته، أنّه سعودي الجنسية، وقد كان
يحاول سرقة علبتين من حليب الأطفال من إحدى الصيدليّات في إحدى

المدن السعوديّة، وذلك بإخفاء العلبتين داخل «فروة» كان يلبسها ..

ولسوء حظّه، فقد انتبه موظّف الصيدليّة المصري لمحاولة السرقة

تلك، وقام بتصوير الصبي وهو يقوم بإعادة العلبتين مكانهما،

بعدما شعر بأنّ الصيدلي قد كشف أمره، ومن ثم حاصره الصيدلي

بسرعة وهو يصوّره بكاميرا هاتفه الجوال، وطلب منه، وهو يعنّفه

بشدّة ويهدّده بالاتصال بالشرطة، أن عليه أن يقوم بتمثيل محاولة السرقة

مرة أخرى أمام الكاميرا، إن أراد أن يخلي سبيله، وإلاّ سيضطر

للاتصال بالشرطة وتسليمه لهم. وكان هدف الصيدلي من وراء ذلك،

هو أن يقوم بعرض الفيلم على صاحب الصيدلية الذي طالما خصم قيمة المسروقات من راتبه
حسبما بدا من كلامه.
الصبي كان بالبداية يحاول أن يخفي وجهه عن كاميرا التصوير،

لكنّه رضخ في النهاية لتعنيف وصراخ الصيدلي، وسمح له بتصوير وجهه،
وبدا عليه الضعف والهوان أمام الصراخ والتهزيء والتعنيف،

بل وتحمّل دفع الصيدلي باصبعه لأدنى أنفه باحتقار وهو يقول له:

«شنبك خط .. شنبك خط .. وبتسرق؟!» وكان الصبي راضخا وساكتا ومستسلما،
وكأنّ أمنيته الوحيدة كانت أن يتركه الصيدلي يذهب في حال سبيله..!
فبالرغم من أن تشهير الصيدلي بالصبي يعد أمراً غير أخلاقي بعد العهد
الذي قطعه الصيدلي على نفسه بإطلاق سراحه ومسامحته إن هو امتثل
لأمره بإعادة تمثيل السرقة، بل وبالرغم من أن التشهير بأي كان،
هو أمر غير قانوني طالما لم يتم عبر السلطات المختصّة، سأظل محجماً عن
لوم الصيدلي على شيء، لأنّه ببساطة رجل مؤتمن على بضاعة،
ويبدو عليه القهر والألم من كثرة الخصومات التي جلده بها صاحب الصيدلية جلداً.
بل وقد يكون هذا الصيدلي قد ندم كثيراً على ما فعل في حق ذلك الصبي،
لدرجة أنّني أسمعه الآن وهو يتمنّى عودته، لكي يعطيه علبتي الحليب هديّة منه،
لأنّه في النهاية، كان يسرق حليب أطفال،
ليرضعه رضيعاً ما .. لم يجد أهله المال ليشتروه له!
قبل أسابيع، كنت في إحدى صيدليات مدينة روما الإيطالية،
وفوجئت عندما رأيت الصيدلي يعطي حليب الأطفال لإحدى زبوناته مجّاناً!..
فسألته، هل هذه عيّنة دعائيّة توزّعونها؟! قال: لا! بل هو حليب أطفال!
وحليب الأطفال بل وكثير من مستلزمات الأطفال الأساسية عندنا
في إيطاليا وكثير من الدول الأوروبية تُعطى مجّاناً!! في الواقع، فقد صُعقت في داخلي..!
ولكنّني ابتسمت في وجهه وتظاهرت بأن هذا أمر عادي،..
ودفعت له ثمن ما اشتريت..، وذهبت في حال سبيلي متسائلاً:
متى يا تُرى سنصل لهذا المستوى من تقدير الإنسان؟!.. ثم تساءلت مرّة أخرى،
هل الإنسان في بلدي أصلاً سيعطي نفسه الفرصة لتتم خدمته بهذه الطريقة؟!
أم ستخرج لنا عصابات تأخذ حليب الأطفال بشكل مجّاني،
لكي تبيعه بعد ذلك في السوق السوداء؟!...
يا تُرى .. كم رضيعاً موجوداً بيننا، لا يجد أبوه قيمة حليبه وغذائه وأدويته؟!
ففي ظل مجتمع انشغل بموضوع رضاعة الكبار عن موضوع رضاعة الصغار،
ليس لهؤلاء إلاّ تدريب صبيتهم على خِدَع جديدة
أكثر ذكاءً لسرقة كل ما يستطيعون من حليب لإرضاع أطفالهم،..
حتّى إشعار آخر..، فسرقتهم حلال.. بلال !
محمد المسحل
جريدة اليوم