بدر الشمال
يالله عسى ماتكرة النفس خيرة ***** يا والي الدنيا عليك التدابير
بيت من الشعر مليء بالحكمة وغاية في الجودة والإتقان وعمق المعنى , اقُتبست معانيه من القرآن الكريم من قوله تعالى ( ... َوعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم ....) , وهذا البيت صار مثلاً يردد بين الناس وقد لايعرف الكثيرين منهم أن قائل هذا البيت هي الشاعرة الدقيس الصلبية التي يتناقل الرواة قصة عشقها لإحد أبناء أمراء القبائل والتي حال العرف الإجتماعي دون اجتماعهما .
والشاعرة الدقيس عاشت في شمال الجزيرة العربية ولا يعرف عنها الكثير ولا عصرها الذي عاشت فيه , إلا إن بعض الباحثين إستنتج ولم يجزم بإنها عاشت في القرن التاسع وذلك بناء على قصيدة لها ذكرت فيها الشيخ مانع بن صويط شيخ قبيلة الظفير والمقتول في مناخ الضلفعة بين عنزة و الظفير عام 854هـ , وهذا الإستنتاج مستبعد لإسباب سوف يأتي ذكرها , ومانع المقصود بالقصيدة ربما يكون شخص آخرغير المقتول في عام 854هـ .
وهناك من الرواة من ذكر قصيدة الدقيس وأحداث قصتها وذكرها بإسم (ربداء) و إنها وقعت في آواخر القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر .
ولإن الشاعرة ذكرت مطلق الجربا في قصيدتها وهو ممن عاشوا في القرن الثالث عشر وكذلك ذكرت "التفق" وهي الأسلحة الناريه التي لم تكن معروفة في عصر مانع المقتول في عام 854هـ , وهذا ما يجعل الرأي الأخير هو الأرجح .
والشاعرة الدقيس لم يذكر لها سوى قصيدتين , وقد اختلف الرواة في كلمات الأبيات وترتيبها , ولدي شك بإن بعض أبيات القصيدتين نسبت لها , أما بيت الشعر أعلاه فهو من ضمن قصيدة وجدانية تقطر ألمٍ وحسرة تعاتب وتمدح فيها الشيخ مانع بن سويط من مشايخ الظفير .
أما قصتها فهي مأساوية و بالغة التأثير, ويروى أن الدقيس كانت فتاة جميلة وقد تعلق قلبها بإحد إخوة الشيخ مانع , وأحبته وأحبها وتعلق كل منهما بالآخر , إلا أن العادات والتقاليد تقف بينهما ففي أعرافهم هي لا تناسبه وهو لايناسبها , ولم عرف الشيخ مانع بـ قصة أخية وعشقه للدقيس وهي الفتاة الصلبية وهو أمير القبيلة , فخاف من ذيوع الخبر وأراد أن يضع حداً لهذه القصة , فأمرها بالرحيل مرغمةٍ مع أهلها من أرض القبيلة وهددهم بالقتل فأضطروا للرحيل , وقبل أن ترحل قالت هذه القصيدة :
يالله عسى ما تكره النفـس خيـرهيا والـي الدنيـا عليـك التدابيـر
اللي فرق بيـن عشيـر وعشيـرههو له و أنـا ليّـه ولِـيّ المقاديـر
وراك يـا مانـع تبتـن بجـيـرهزودٍ على هرج العـرب والمعاييـر
أنـا صلبيـة ولا لــي نحـيـرهوانتـم نحايركـم رقـاب المناعيـر
حنـا صليـب ولا علينـا معـيـرهعاداتنـا ننـزل خـلاف الدواويـر
ابكي عشيري كـل ماقلـت خيـرهوأنـا وخلـي فرقتنـا المقـاديـر
أنـا بديـره و الحبـيـب بـديـرهورجّالكم ما يمرح الليـل يـا ميـر
ماأنساه لين السيف ينسـى جفيـرةأو مطلق الجربـا يكـب الخطاطيـر
مانع ليـا ركـب الجـواد الظهيـرةماله شبيـه يعلـم الله حـذا الزيـر
زير العراق اللـي ربـا بالجزيـرةشيـخٍ كبيـر و وافـي بالتشابيـر
يطعن لعينـي فاطـر لـه ظهيـرةغبـوق الخطـار برصـا مواخيـر
شرابة المـا كـان غثبـر حفيـرهمناكبه تنحى الضوامي عـن البيـر
خيـال شقـح مـا يـردد نشيـرهوإن جن على روس النوازي دعاثير
ليا سمعت الصايـح تقـاود بريـرهتجعل على البيت المطرف معاصيـر
زبن الحصان اللـي قطاتـه كبيـرهتعاورنـه مصـعـدات المعـاويـر
والله لابـدل دارهـم لـي بـديـرهواتبـع مـزونٍ مقفيـات محاديـر
وعندها رحلت الدقيس مع أهلها , وبعد أن ابتعدت عن أرض الحبيب أخذت رغم المعاناة ترتقي الهضاب لعلها ترى منازل المحبوب أو حتى تشم نسيم الهواء القادم من أرضهم وطال جلوسها حتى أفتقدتها أمها , ولما وجدتها سمعتها تنشد قائلة :
عند الضحي عديت في راس عنقورأشرف علـى راع العلـوم الدقاقـه
يا ونتي ياما بصدري مـن الجـوروانـت ضعيـفٍ ضاهدينـه رفاقـه
يايوه شفي واحدن من هـل الهـورهو عشقتـي مـن ناقليـن التفاقـه
وده سمر قلبي وراء مشـة الـزورسمر الحديد اللـي إجـواد احلاقـه
غديت أنا لا احدي ولا ابدي ولا اثورثنـان تثنـات الخلـوج الوسـاقـه
عوق الظليم إيلا تحدر مـع القـوردم القرى ينقط علـى عظـم ساقـه
غديت له عوقٍ وهو صار لي ثابـوروالكل منـا صـار شوفـه إشفاقـه
وعندما سمعتها أمها رقت لمأسات أبنتها فعذلتها بقولها :
برقٍ مصدٍ عنك لو كان به نـوربالك تخيله لـو ربيعـك شفاقـه
ترى الرجال ابهم تمازيح وغرورومن قبل بخصه لا يجيلك عشاقه
فردت الدقيس على أمها قائلة :
من لاستشارك لا تبادية الشورومن لا يودك نور عينك فراقه
*من كتاب الألف سنه الغامضه من تاريخ نجد -الجزء الثاني ص 37
*اي انها لورحلت عنكم واصبحت في مكان آخر فإن أخاك لن ينام الليل من أجلي.
*صلب:اقوام من الغجر او النور