الخيال :
مما روته كتب التاريخ عن تأبط شراً انه خارق القوة، فان اتكأ على بعير اسقطه، او استوى على
ظهرفرس اجهضها، وهو اسرع من الجياد الجامحة ومن ذلك ما يقال عن تأبط شراً من أنه " كان
أعدى ذي رِجْلين وذي ساقين وذي عينين ، وكان إذا جاع لم تقم له قائمة ، فكان ينظر الى الظباء ،
فينتقي على نظرة أسمنها ، ثم يجري خلفه ، فلا يفوته ، حتى يأخذه فيذبحه بسيفه ، ثم يشويه فيأكله "
ويسبق الظبي في عدوه، وان رمى رمحه، فانه كريح الشتاء، ورغم ان له الكثير من الحكايات
الخرافية مع الجان والغيلان، الا ان الذين وصفوه، يرون انه هو الغول بعينه، فضفيرتاه تشبهان قرني
الشيطان، وله عينان حمراواتان، تنبعث منهما اشعة كريهة تنذر الناظر اليهما بالموت، وفمه كفوهة
بئر، اما انفه فانه يشبه رأس البعير.. مع هذه الاوصاف وغيرها من امارات القبح، فان (تأبط شرا) يعد
واحدا ممن يعشقنه النساء، كما تجلى ذلك واضحا في اشعاره.
نادته امه يوما، وقالت له: «ايها الولد العاق، ها أنت ترى ما نحن فيه من شظف
العيش، وانت لا هملك الا ان تسابق الغزلان، لم لا تنطق ايها الخبيث؟!»، فيجيبها: «وماذا تريدين ان
افعل، بعد ان جئتلك بكبش سمين، فاذا به ينقلب بين يديك الى ذئب مفترس؟! وسرقت لك ما يزن حمل
بعير من التمر،فانقلب التمر حين رأى وجهك الى أفاع سامة!! فماذا افعل لك بعد ذلك يا امرأة؟!
لكنها لا تعبأ بما قال وتصرخ فيه: اسمع ايها الجلف.. ان في فلاة رحى بطان من ارض هذيل، إبلترعى،
فلو تربصت ببعضها ليلا.فيصيح فيها مقاطعا: انتِ اذاً تريدين لابنك ان يسرق اموال الناس؟ فتجيبه
ساخرة: ثكلتك امك، وهل لك صنعة اخرى غير السرقة التي ورثتها عن ابيك؟فيجيبها: واللات ما
اسموك ام الاشرار عبثا, وبئس الأم انت يا من تحرضين ولدك على فعل الشر ، فتقول له: «لا تجادلني،
وانت لا عمل لك سوى مجالسة السراق كأبي خراش والشنفري.. هيا اذهب يا تأبط الى رحى بطان،
وعد لأمك بلبن النياق.
ومن أشعاره التي رواها المفضل الضبي في مفضلياته ، والتي يصور فيها
أحدى مغامراته مع صديقيه الشنفرى وعمرو بن براق والتي باءت بالفشل فدبروا حيلة بارعة نجوا
فيها عدوا على الأقدام :
ليلة صاحوا وأغروا بي سِراعهُمُ
بالعَيكتين لدى مَعْدَى ابـن بـرّقِ
كأنما حثحثوا حُصَّـا قَوادِمُهُـأ
و أم خؤشْفٍ بذي شَثّ وطُبَّـاقِ
لاشيء أسرع مني ليس ذا عدوٍ
وذا جناحٍ بجنب الريْـدِ خَفـاق
حتى نجوت ولما ينزعوا سلبـي
بِوالهٍ من قَبِيِض الشـدِّ غيْـذاقٍ
ويقول أيضا:
لكنما عِولي إن كنتُ ذا عِـوَلٍ
بَصيرٍ بكسبِ الحمد سَباقِ
سباقِ غاياتٍ مجدٍ في عشيرته
مُرجعِ الصوتِ هدّا بين أرفاقِ
عاري الظنابيبِ مُمتد نواشـرهُ
مِدلاج أدهم واهي الماء غساق
حمـال ألويـة شهـاد أنديـة
قوال محكمـة جـواب آفـاق
فذاك هَمي وغزوي أستغيث بهِ
إذا استغثت بضاق الرأس نعاقِ
فهو يتصف بجهارة الصوت بين رفاقه وبضمور جسمه وقوته وصلابته
وجرأته .ولا ينسى أن يضيف إلى هذه الخصال خصلة الكرم:
بلْ من لعذّالـةٍ خَذّالـةٍ أشـبٍ
حَرقَ باللوم جِلدي أيَّ تحـراقِ
يقول أهلكت مـالا قنعـت بـهِ
من ثوب صدقٍ ومن بزّ وأعلاقِ
عاذلتي إن بعض اللوم مَعْنَفـةٌ
وهل متـاعٌ وإن أبقيتُـه بـاقِ
وكأن الصعلكة قد أنعكست عليها صفات الفرسان من سمو في الأخلاق .
قيل لقي تأبط شرا رجلاً من ثقيف يقال له ابو وهب وكان جباناً اهوج وعليه حلة جيدة
فقال ابو وهب لتأبط شرا: بم تغلب الرجال يا ثابت وانت كما أرى دميم ضئيل؟
قال: باسمى, انما اقول ساعة ما ألقى الرجل:انا تأبط شرآ،فيخلع قلبه حتى انال منه ما اردت.
فقال له الثقفي : أقط؟ قال:قط ، قال: فهل لك ان تبيعني اسمك؟
قال:نعم،
قال: فبم تبتاعه؟
قال: بهذة الحلة وبكنيتك
قال لة:افعل،ففعل،
وقال تأبط شرآ: لك اسمي ولي كنيتك
وأخذ حلته واعطاه كساء بالي ثم انصرف.وقال يخاطب زوجة الثقفي:
ألا هل اتى الحسنـاء ان حليلهـا
تأبط شـرآ واكتنيـت أبـا وهـب
فوهب تسمى باسمي وسميت باسمه
فأين له صبري على معظم الخطب
وأين له بأس كبأسـي وسورتـي
وأين له فـي كـل فادحـة قلبـي
عاشقة تأبط شرا :
وصفها بأنها جميلة كالوردة في خدرها، لولا ان بها شوك، فيروي قصته معها،
يوم خرج مع صاحبهالشنفرى الذي كان مثله عداء لا يشق له غبار، فتسللا معا في جوف الليل، حتى
ظهرت لهما نيران لأناس يسمرون قرب قافلة لهم، فقال الشنفري: علينا ان نسرق ما في هذه القافلة
فيسأل تأبط عن السبيل الى ذلك، ورجال القافلة كثيرون؟!
فيرسم له الشنفري الخطة، وهي كالتالي:
تقترب انت منهم، فيطمعون فيك، فاذا طاردوك، فطاولهم.. فاذا عدوا خلفك،
استأسر لهم، فان اخذوك
الى حيث القافلة ثم اوثقوك، بدوت لهم انا من بعيد، اعدوا امامهم، حتى يجدوا في طلبي، فأباعد بينهم
وبين القافلة، فتحل انت وثاقك، وتسوق القافلة الى مخبأنا . وفعل تأبط ما تم الاتفاق عليه، فاذا بدا لهم
الشنفرى،
سألوا تأبط: اهذا صاحبك؟!
فأجابهم: احذروه، فانه اسرع من يعدو في العرب، وما احسبكم
تلحقون به
فاجابه احدهم: لن يعجزنا ان نأتي به لنضمه اليك.
وبدأوا يطاردون الشنفرى وهم على ظهور جيادهم، بينما هو يعدو
عدوا، قد ابعد بهم مسافات طويلة عن قافلتهم.
وفي هذه الاثناء فك تأبط شرا وثاقه، وساق القافلة الى حيث
مخبأهما، وما ان ادخل الأبعر الى الكهف، حتى سمع صوتا نسائيا،
فاستطلع الامر، واذا به امام شابة رائعة الجمال، لينة الاعطاف، يكاد بياض وجهها ينير ظلمة الكهف،
ترجوه ان يتركها الى حال سبيلها بعد ان ظفر بغنيمته،
فيقول لها: اومن يظفر بمثلك يفعل ما تطلبين واللات ما افرط فيك
ابدا.
فتضحك بمرح ودلال قائلة: ما احسبك الا اضعف الخلق.
فيجيبها محتدا: ليس لمثلي يقال هذا الكلام
فتمد نحوه يدها، وترفعه من صدره الى اعلى ثم تلقي به الى
الارض, فحاول القيام وهو يتوعدها: واللات ما ابقي عليك حية، وان
كنت اجمل الجميلات.
فترفعه من صدره ثانية ثم تلقي به الى الارض، ووضعت رجلها فوق
جسمه، وتوجهت اليه بالحديث وهي ضاحكة، ومزهوة بنصرها عليه: والآن ما تقول ايها الخبيث وانت
تحت قدمي لا تملك حراكا.
فيجيبها: ويحك من اين لك هذه القوة؟؟
فتنشرح اساريرها لسؤاله: حسنا، ما دمت قد اقررت بأن هناك من
هو اقوى منك، فاني اعفو عنك.
ويسألها تأبط: كيف تركتني اسوق قافلة قومك، ولم تمنعيني من ذلك؟
تجيبه: سمعت عن شجاعتك، واعجبت بك، فتركتك تفعل ما تفعل
لأظفر بك.
فيجيبها بخذلان وأسى: ظننت انني انا الذي ظفر بك، هيا.. اقتليني فلا
احتمل ذلا بعد هذا الذل، امرأة تصرع تأبط شرا؟! اقتليني ويحك، ماذا تنتظرين؟
فتقول له: هناك ما هو خير من قتلك، وهو ان تتزوجني، فوالله قد
احببتك من كثرة ما سمعت عنك، تزوجني.. فلا يكون احد في ارض العرب، في شدة قوة اولادنا.
فتزوجها بعد ان شغف بها حباً، ورغم قبحه، صار الناس يضربون
الامثال بجمال (براق) ولده الأول منها.