مولده ووفاته
كانت ولادة أبي حيان في بغداد سنة 310 هجرية؛ أما وفاته فكانت في شيراز سنة 414 هجرية وفي هذين التاريخين خلاف؛ والمقطوع به أنه كان حيا سنة 400 هجرية حسب ما تفيد بذلك بعض رسائله.
ومما يروى عن بعض أصحاب أبي حيان أنه لما حضرته الوفاة كان بين يديه جماعة من الناس فقال بعضهم لبعض: (اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة) ثم جعلوا يذكرونه ويعظونه، فرفع أبو حيان رأسه إليهم وقال: (كأني أقدم على جندي أو شرطي !!! إنما أقدم على رب غفور) ومات من ساعته.
أصله ونسبته
نشأته وسماته
في عائلة من عوائل بغداد الفقيرة؛ نشأ أبو حيان يتيما, يعاني شظف العيش ومرارة الحرمان؛ لا سيما بعد رحيل والده, وانتقاله إلى كفالة عمه الذي كان يكره هذا الطفل البائس ويقسو عليه كثيرا.
وحين شب أبو حيان عن الطوق، امتهن حرفة الوراقة، ورغم أنها أتاحت لهذا الوراق الشاب التزود بكم هائل من المعرفة جعل منه مثقفا موسوعيا إلا أنها لم ترضِ طموحه ولم تتلّبِ حاجاته، مما جعله يتجه إلى وجهة أخرى، فاتصل بكبار متنفذي عصره من أمثال ابن العميد والصاحب بن عباد والوزير المهلبي غير أنه كان يعود في كل مرة صفر اليدين، خائب الآمال، ناقما على عصره ومجتمعه.
هذه الإحباطات الدائمة، والإخفاقات المتواصلة؛ انتهت بهذا العبقري إلى غاية اليأس فأحرق كتبه بعد أن تجاوز التسعين من العمر، وقبل ذلك فّر من مواجهة ظروفه الصعبة إلى أحضان التصوف عساه يجد هنالك بعض العزاء فينعم بالسكينة والهدوء.
ولعل السر في ما لاقاه أبو حيان في حياته من عناء وإهمال وفشل يعود إلى طباعه وسماته؛ حيث كان مع ذكائه وعلمه وفصاحته: واسع الطموح، شديد الاعتداد بالنفس، سوداوي المزاج ... إلى غير ذلك من صفات وضعت في طريقه المتاعب وحالت دون وصوله إلى ما يريد.
سيرته العلمية
حين نتحدث عن أبي حيان التوحيدي فنحن إنما نتحدث عن شخص متميز؛ سواء من حيث المخزون المعرفي الهائل أو من حيث امتلاكه لقلم سيال يبهر القارئ بأسلوبه الأنيق، وبحذاقته في التعامل مع اللغة وتوظيفها في خدمة ما يرمي إليه.
وفي ما يلي سنلقي الضوء على السيرة العلمية لهذا الكاتب المبدع.
مصادره العلمية
عمله بالوراقة
شكل عمل أبي حيان التوحيدي ردحا كبيرا من حياته في نسخ الكتب وبيعها رافدا أساسيا من روافده المعرفية؛ فقد جعلته القراءة المستمرة لما ينسخ بحكم حرفته على اتصال دائم بثقافة عصره، وعلى وعي كبير أيضا بنتاجات العصور السابقة في مجالات الفكروالعلم والأدب، على أن أبا حيان كثيرا ما تذمر من هذه المهنة في كتبه.
شيوخه
من بين من تتلمذ على يدهم التوحيدي:
أبو زكريا يحيا بن عدي المنطقي: أخذ عنه الفلسفة
أبو حامد المروزي
(سمع -يعني أبا حيان- جعفرا الخلدي، وأبابكر الشافعي، وأبا سعيد السيرافي، والقاضي أحمد بن بشر العامري) .
وغيرهم الكثير، فقد كان ملازما لمجالس الفكر والأدب والفلسفة وسواه، حريصا على الاتصال بأدباء عصره وعلمائه ومثقفيه.
تلاميذه
نقل الذهبي في سيره عن ابن النجار قوله:
(روى عنه: علي بن يوسف الفامي، ومحمد بن منصور بن جيكان، وعبد الكريم بن محمد الداوودي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي، ومحمد بن إبراهيم بن فارس الشيرازيون ) انتهى.
ثم عّقب الذهبي بقوله:
(قلت: قد سمع منه أبو سعد عبد الرحمن بن ممجة الاصبهاني، وذلك في سنة أربع مئة، وهو آخر العهد به).
مؤلفاته
ترك أبو حيان التوحيدي خلفه إرثا نفيسا تزهو به المكتبة العربية في مجالات متعددة منها الأدب والأخبار والفلسفة والتصوف واللغويات إلخ...
وفي ما يلي إشارات عجلى لبعض تلك النفائس:
الإمتاع والمؤانسة يعد الإمتاع والمؤانسة (كتاب) من الكتب القيمة الجامعة وإن غلب عليه الطابع الأدبي. وهذا الكتاب هو ثمرة لمسامرات سبع وثلاثين ليلة نادم فيها الوزير أبا عبد الله العارض. وبالإضافة إلى قيمة الكتاب الأدبية، هو أيضا يتفرد بنوادر لم يوردها غيره كما يكشف -وعلى امتداد ثلاثة أجزاء -ضخمة- عن بعض جوانب الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية لتلك الأيام.
البصائر والذخائر يعد كتاب البصائر والذخائر (كتاب) موسوعة اختيارات ضخمة؛ حيث تقع في عشرة أجزاء، انتخبها أبو حيان من روائع ما حفظ وسمع وقرأ. وقد بلغ تعداد اختيارات الكتاب سبعة آلاف وتسعا وسبعين اختيارا حسب النسخة المطبوعة منه بتحقيق الدكتورة وداد القاضي وهي تسعة أجزاء فقط.
والكتاب لا يقتصر على الاختيارات ولا تكمن قيمته فيها فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى قيمة ما أضافه التوحيدي إلى تلك الاختيارات من آراء وتعليقات حملت الكثير وكشفت عن الكثير..
الصداقة والصديق كتاب الصداقة والصديق (كتاب) مؤلف آخر يكشف عن موسوعية أبي حيان وتبحره، وهو كتاب لا غنى لمحب الأدب عن مطالعته.
ومما قاله أبو حيان في الكتاب متحدثا عن نفسه:
(فلقد فقدت كل مؤنس وصاحب، ومرافق ومشفق، ووالله لربما صليت في الجامع، فلا أرى جنبي من يصلي معي، فإن اتفق فبقال أو عصار، أو نداف أو قصاب، ومن إذا وقف إلى جانبي أسدرني بصنانه، وأسكرني بنتنه، فقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب النحلة، غريب الخلق، مستأنساً بالوحشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً للصمت، ملازماً للحيرة، محتملاً للأذى، يائساً من جميع من ترى).
أخلاق الوزيرين كتاب أخلاق الوزيرين (كتاب) أو كما يسمى مثالب الوزيرين (كتاب) كتاب نادر في موضوعه، جمع فيه أبو حيان مشاهداته ومسموعاته عن الوزيرين: ابن العميد والصاحب بن عباد وكان قد اتصل بهما فحرماه ومنعاه ولم يجد عندهما ما كان يؤمله من حظوة وصلة وإكبار. رحم الله أبا حيان التوحيدى لقد ظلم في حياتة وهاهو يظلم بعد وفاتة عندما نقراترجمت الرجل بعين منصفة وكتابة الاشارات الالهية الذى كتبة وهو قد قارب على السبعين من عمرة وما فية من توجة خالص للة والتبرء الكامل من الذنوب يجب ان نحسن الظن بالرجل لقد تكلم في الرجل علما ء كبار كمثل شيخ الاسلام الذهبى وحافظ العراق ابن الجوزىقد يكونا لم يبلغهما هذا الكتاب
المقابسات كتاب المقابسات (كتاب)
الهوامل والشوامل كتاب الهوامل والشوامل (كتاب) وهو عبارة عن كتابين في كتاب واحد، حيث تمثل الهوامل أسئلة بعث بها التوحيدي إلى مسكويه، والشوامل هي إجابات مسكويه على أسئلة التوحيدي.
تقريظ الجاحظ كتاب تقريظ الجاحظ (كتاب)
أسلوبه
مواقف العلماء منه
يعد أبو حيان أحد الشخصيات المثيرة للجدل حتى الآن، فما زال الناس فيه بين مادح وقادح، وتباين تلك المواقف يعود في جانب منه إلى طبيعة الرجل الشخصية والتي أثارت عليه حنق الكثيرين، كما يعود في جانب آخر إلى ما نسب إليه أو تبناه من آراء ومواقف.
وسنكتفي هنا بذكر الموقفين المتباينين دون توسع.
موقف القادحين اتهم القادحون أبا حيان بالضلال والزندقة والإلحاد واختلاق الأخبار إلخ...
ومنهم الحافظ الذهبي؛ حيث ققّدم لترجمته في مصنفه سير أعلام النبلاء (كتاب) بقوله: (الضال الملحد أبو حيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية، ويقال: كان من أعيان الشافعية ... كان أبو حيان هذا كذابا قليل الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لامور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب، والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الالحاد، ويرومه في الاسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله, ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية ... وقال أبو الفرج بن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، وأشدهم على الإسلام أبو حيان، لانهما صرحا، وهو مجمج ولم يصرح ... ) انتهى.
وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (كتاب): (بقي إلى حدود الأربع مائة ببلاد فارس وكان صاحب زندقة وانحلال، قال جعفر بن يحيى الحكاك قال لي أبو نصر السجزي إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي على أبي حيان فقال: هذه الرسالة عملتها رداً على الروافض؛ وسببها أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء -يعني بن العميد- فكانوا يغلون في حال علي فعملت هذه الرسالة؛ قلت: فقد اعترف بالوضع) انتهى.
موقف المعتدلين قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (كتاب):
(شيخ الصوفية وصاحب كتاب البصائر وغيره من المصنفات في علم التصوف... وقد ذكره ابن خلكان في آخر ترجمة أبي الفصل ابن العميد فقال: كان فاضلاً مصنفاً... وقد ذكر ابن النجار أبا حيان وقال: له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها، وكان فقيراً صابراً متديناً إلى أن قال: وكان صحيح العقيدة قال الذهبي: كذا قال، بل كان عدواً لله خبيثا, وهذه مبالغة عظيمة من الذهبي) انهى.
وقال ياقوت الحموي:
(أبو حيان التوحيدي ... صوفي السمت والهيئة، وكان يتأله والناس على ثقة من دينه ... شيخ اصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام, ومتكلم المحققين، وإمام البلغاء، وعمدة لبني ساسان، سخيف اللسان، قليل الرضا عند الإساءة إليه والإحسان، الذم شانه، والثلب دكانه، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة، وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه، واسع الدراية والرواية، وكان مع ذلك محدوداً محارفاً يشتكي صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه) انتهى.
حادثة إحراقه لكتبه
جاء في بغية الوعاة (كتاب) أن أبا حيان لما انقلبت به الأيام رأى أن كتبه لم تنفعه وضن بها على من لا يعرف قدرها، فجمعها وأحرقها، فلم يسلم منها غير ما نقل قبل الإحراق. وقد أشار إلى هذه الحادثة ياقوت الحموي في معجمه، وأرد فيها رسالة طويلة من أبي حيان إلى أحد الفضلاء الذين لاموه على هذا التصرف.
مصادر ومراجع
ياقوت الحموي، معجم الأدباء، الجزء الخامس عشر، حرف العين.
الحافظ الذهبي، سير أعلام النبلاء، طبعة مؤسسة الرسالة، الجزء السابع عشر.
تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية السبكي.
ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، باب الكنى.
عبد الرزاق محيي الدين، أبو حيان التوحيدي في سيرته وفلسفته.
إحسان عباس، أبو حيان التوحيدي.
محمد إبراهيم، أبو حيان التوحيدي.