الموضوع: حكاية السافانا
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-12-2010, 10:50 PM   #1
alshemailat
 
الصورة الرمزية ×شجـــــــون×
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 311
×شجـــــــون× is on a distinguished road
افتراضي حكاية السافانا

لا توجد حكاية بلا دلالة، وإن وجدت فهي حكاية بلا رسالة.كل حكاية تحمل رسالة ما.
وكل قارئ يتلقى ذلك المعنى وفقاً لثقافته، ولكل تأويله الخاص.
أما إذا كانت الأسطورة أو الحكاية أفريقية فهذا شأن آخر..
لأنه «لا يوجد في أفريقيا ما هو ترفيهي صرف، سواء الحكايات أو الأغاني أو الكلام»
كما يقول الكاتب والمؤرخ الأفريقي (أمادو همباطي با).
أي أن لكل حكاية، بالإضافة إلى الجانب الترفيهي، دلالة أو مغزى ما.
أستعرض، هنا، وبتصرف واختصار، إحدى حكايات السافانا،
والسافانا أرض غنية بالأعشاب والأشجار وتغطي أكثر من خمسي أفريقيا،
وأما الحكاية فهي عن غابة كثيفة الأشجار في وسطها بركة مياهها صافية هادئة شفافة وشديدة العمق.
كانت تسكن فوق أغصان الأشجار، حول البركة،
إناث قردة وقردة من كل الأنواع، تقضي وقتها في القفز والصراخ.
تتعارك وتتصارع ويجرح أو يقتل بعضها بعضاً.
أما سبب شجارها فهو اختلافها حول أصل البركة وعمقها وطبيعة مياهها.
كان كل طرف من أطراف النزاع يرى البركة وفق منظوره الخاص.
ويريد بكل قوة أن تكون رؤيته هي الأمثل والأصح.
وكانت البجعات المسالمة موضع تهكم القردة (باعتبارها أقل فطنة من القردة المتصارعين).
وتعليقاً على هذا الصراع يقول طائر الغرنوق: كم أرثي لحالك أيتها القردة..
لن تستطيعوا أبدا إدراك مدى عمق البركة ولا جوهر المياه،
ولن تنجحوا سوى في تعكير مياه البركة الموجودة في داخل كل منكم.
لن تستطيعوا أبداً تعكير مياه البركة العظمى منبع الحياة والسلام والوئام»!
(أمادو همباطي با/ لا وجود لخصومات صغيرة/
ترجمة محمد أحمد بنعبود/ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: الكويت).
وفي هذا العالم الموبوء بالصراعات والعنف تكشف هذه الحكاية الأفريقية
عن نموذجين نقيضين في التفكير والنظر إلى الأمور:
نموذج أكثر معرفة وتواضعاً وأقرب إلى الموضوعية، يعشق الحياة، ويمجد السلام والحب، ويعمر الأرض، ويرى فيها متسعاً لكل البشر.
وآخر يرى أنه خازن الحقيقة بلا منازع،
وأن رؤيته هي النموذج الأصح، وهو شيء لا غبار عليه،
فمثل تلك القناعات الهادئة المسالمة، وأياً كانت درجة قربها أو بعدها عن الحقيقة،
لا تشكل مشكلة البتة.. وفي سوبر ماركت الأفكار يمكن أن نجد عروضاً زاهية للآراء والمفاهيم أشبه بحيل الحواة وخدع بهلوانات السيرك،
وذلك أيضا لا يدعو للقلق.
«كل يغني على ليلاه متخذا/ ليلى من الناس أو ليلى من الخشب»!
لكن المشكلة تبدأ عندما لا يجد ذلك النموذج معنى أو قيمة لوجوده إلا في العنف، وفي تعكير صفو الحياة لكي يفرض حقيقته الخاصة،
أو يجعل من قناعاته قانوناً، أو ينصب نفسه وصياً على الآخرين ليطابقوا النمط الذي يناسب مفاهيمه وتوجّهاته.
حسن السبع
جريدة اليوم السعودية
14 ديسمبر2010
×شجـــــــون× غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس