بعد أن كبر في السن، أراد أحد رجال الأعمال التنحي عن إدارة شركته، ومنح الفرصة للدماء الشابة لإدارتها. استدعى جميع المسؤولين التنفيذيين الشباب الى غرفة الاجتماع، وألقى بالتصريح القنبلة حول تنحيه واختيار أحدهم كي يحل محله. قال لهم انهم سيخضعون لاختبار عملي، وسيعودون بنتيجته بعد عام من يوم الاجتماع، لنفس القاعة لتحديد النتيجة. يقوم الاختبار على تسلم كل واحد فيهم بذرة واحدة فقط عليه زراعتها، والعناية بها طوال العام، ومن أتى بنبتة صحية تفوق ما لدى الآخرين سيكون هو الشخص المستحق للمنصب الهام. من بين هؤلاء شخص اسمه جيم، وشأنه شأن الآخرين، تسلم بذرته، وعاد لبيته، وأخبر زوجته بالقصة، فأسرعت الزوجة بتحضير الوعاء والتربة الملائمة والسماد وتم زرع البذرة. مرت الأيام والزوجان لا يكفان عن متابعة البذرة، والاعتناء بها جيدا. بعد مرور ثلاثة أسابيع بدأ كل واحد يتحدث عن بذرته التي نمت وترعرعت ما عدا جيم الذي لم تنم بذرته على الرغم من كل الجهود المبذولة. مرت الأسابيع والشهود وجيم صامت أمام تباهي زملائه ببذرتهم التي نمت وكبرت، وأخيرا أزف الموعد. قال جيم لزوجته انه لن يذهب الى الاجتماع بوعاء فارغ، فقالت له «علينا ان نكون صادقين بشأن ما حدث»، وكان يعلم في قرارة نفسه أنها على حق، ولكنه كان يخشى من أكثر اللحظات الحرجة التي سيواجهها في حياته، وأخيرا اتخذ قراره بالذهاب بوعائه الفارغ على الرغم من كل شيء. كانت نباتات زملائه الموضوعة على طاولة الاجتماعات، مبهرة بأشكالها وأحجامها. كانت في غاية الجمال والروعة. تسلل جيم بهدوء، ووضع وعاءه الفارغ على الأرض، وبقي واقفا، منتظرا مجيء الرئيس، وسط ضحكات زملائه المكتومة. أخيرا أطل الرئيس، ودخل الغرفة، وأخذ يعاين النباتات وهو يبتسم، ثم بدأ الكلام مشيدا بما رآه، ومهنئا الجميع على ذلك النجاح الباهر الذي حققوه. أخبرهم ان أحدهم سيتم تكريمه اليوم، وسيصبح الرئيس التنفيذي القادم للشركة، وفي تلك اللحظة شاهد جيم ووعاءه الفارغ، فأمر بأن يستدعى جيم الى المقدمة. شعر جيم بالرعب، ولاح له في الأفق الاستغناء عن خدماته بسبب فشله الواضح. سأله الرئيس عما حدث للبذرة التي تسلمها منه فقص عليه ما حدث بكل صراحة، وأخبره كيف فشلت محاولات إنبات البذرة على الرغم من شدة الاهتمام والرعاية. أمر الرئيس الجمع الواقف بالجلوس ما عدا جيم، ووجه حديثه اليهم قائلا: رحبوا بجيم. الرئيس التنفيذي الجديد للشركة. تبادل الجمع في القاعة الهمسات والهمهمات والاحتجاجات، وتابع الرئيس قائلا: في العام الماضي أعطيتكم بذورا لزراعتها وإعادتها إلى هنا اليوم، ولكن ما كنتم تجهلونه هو أن البذور كانت فاسدة، ولا يمكن لها أن تنمو إطلاقا، ومجيئكم بتلك النباتات الرائعة يدل على قيامكم باستبدال البذرة التي تسلمتموها، وجيم كان الوحيد الصادق والأمين الذي أعاد نفس البذرة التي أعطيته إياها قبل عام مضى، وبناء عليه، هو من استحق أن يكون المدير التنفيذي لشركتي. هذه الأمانة التي تحصد الثقة مرت علينا في قصص مختلفة على رأسها تأتي قصة سيدنا موسى ومنها جاءت مقولة استئجار القوي الأمين التي يدعو بها كل مخلص لوطنه. ولكل مسئول أقول، كونوا كهذا الرجل الذكي، وأبعدوا عن سدة المسؤولية الكذابين والغشاشين والوصوليين فمن ورائهم، غير الفشل والخيانة، لن تحصدوا.
الكاتبة /عزيزة المفرج
جريدة اليوم نقلا عن
الوطن الكويتية
وأنا بدوري نقلتها لكم
وتقبلوا تحياتي