السفير
شاكر لك جهودك لهذا الطرح الراقي
ومن ضمن مواضيع الموقع التالي:
2010«الشرق الأوسط» د. حسن محمد صندقجي إزالة القلق ومعالجته واستقبال الحياة بروح «صحية» عالية، أمر حيوي وضروري.. ذلك ما تقوله صراحة نتائج الدراسة الهولندية المسماة «دراسة القلب والروح» Heart and Soul Study. وتشير الدراسة إلى أن الحالة الصحية المستقبلية لا تبدو جيدة لأولئك الذين لديهم حالة القلق النفسي ويعانون في الوقت نفسه من مرض القلب.
ووجدت هذه الدراسة الحديثة الصادرة في عدد يوليو (تموز) من مجلة «أرشيفات الطب النفسي العام»، أن وجود القلق anxiety يرفع من معدلات إصابة مرضى القلب بالتداعيات والمضاعفات الصحية، وتحديدا الإصابة بكل من النوبات والجلطات القلبية heart attack، وجلطات السكتة الدماغية stroke، والفشل الناجم عن تمادي ضعف القلب heart failure. وهذه لم تكن النتيجة الوحيدة لدراسة الباحثين من جامعة تيلبيرغ في جنوب هولندا، بل توصلت إلى ملاحظة أكبر أهمية، وهي أن العلاقة بين القلق وزيادة احتمالات حصول هذه المضاعفات القلبية لا شأن لها بممارسة التدخين أو بمقدار درجة شدة مرض القلب الأصلي أو بعوامل بيولوجية أخرى مثل ارتفاع الهرمونات في الجسم أو ارتفاع معدل نبض القلب، وهذا يعني أن مجرد وجود القلق لدى المصاب بمرض القلب يعتبر عاملا مستقلا لرفع لمعدل خطورة الإصابة بالمضاعفات القلبية الصحية في المستقبل، وهنا مربط فرس الأهمية في هذه الدراسة الحديثة.
وهو ما حدا بالباحثة الرئيسية في الدراسة، الدكتورة إليزابيث مارتنز إلى القول: هذا أمر مثير للدهشة بحق، والخطوة التالية ستكون في اتجاه معرفة آلية تسبب القلق في سوء المستقبل الصحي لمرضى القلب.
وتعتبر الدكتورة مارتينيز أحد المهتمين بدراسة تأثيرات الحالة النفسية لدى مرضى القلب على نوعية الحياة الصحية المستقبلية لهم، وقامت بتصميم برنامج بحثي واسع، ضمن مشروع «دراسة القلب والروح». وفي المرحلة الأولى تم دراسة العلاقة بين الاكتئاب depression والمستقبل الصحي لمرض القلب، ووجدت حينها أن ارتفاع خطورة الإصابة بالنوبات والجلطات القلبية وجلطات السكتة الدماغية والفشل الناجم عن تمادي ضعف القلب، كلها تداعيات مستقبلية مرتبطة بوجود حالة الاكتئاب، والسبب هو أن مرضى الاكتئاب يمارسون سلوكيات غير صحية في الحياة اليومية، خاصة عدم ممارستهم للرياضة البدنية اليومية.
أما في حالة القلق، فإن القلق لدى مرضى القلب ذو تأثيرات سلبية على صحة القلب المستقبلية حتى عند الحرص على تناول الأدوية وممارسة الرياضة اليومية، ووجود معدل طبيعي لنبض القلب. وتحديدا عند المقارنة فيما بين مجموعتين من مرضى القلب، الأولى تضم من ليس لديهم قلق، والأخرى تضم المصابين بالقلق، فإن وجود القلق يرفع بنسبة 74% من احتمالات حصول التداعيات الصحية القلبية المستقبلية، ولذا أكدت الباحثة أن نتائج الدراسة تفرض النظر بجدية لحالة القلق لدى مريض القلب، وأضافت قائلة: تقييم ومعالجة القلق يجدر اعتباره جزءا من المعالجة الشاملة لمرضى القلب، والقلق أحد الاضطرابات النفسية الشائعة والتي يمكن معالجتها، ولذا فهي من عوامل الخطورة التي يمكن تفادي أضرارها المستقبلية. والإشكالية الأهم في القلق، كمرض نفسي، ليست في معالجته، بل هي في الاعتراف بمدى وجوده. وهنا طيف واسع من أنواع تعامل عموم الناس مع القلق، إذ إن هناك مصابين بالقلق ينكرون بشكل كامل وجود هذه المشكلة الصحية لديهم. وعلى الطرف الآخر فهناك أشخاص طبيعيون يتصورون أن لديهم مرض القلق، وهم ليسوا كذلك.
والسبب في هذا اللبس هو ما تعترف به الهيئات الطبية العالمية المعنية بالصحة النفسية، وهو أن القلق والخوف بالأصل فعل وتفاعل فطري لدى الإنسان. وهذا قد تتكرر أسبابه ودواعيه، كما يحدث قبل إجراء أي اختبار أو مقابلة مهمة أو عند المشي في الأماكن المظلمة أو السفر إلى أماكن جديدة وغيره. وهذا القلق والخوف شيء ليس طبيعيا فقط، بل هو ضروري ومفيد لكي يسلم الإنسان ويحمي وضعه وذاته. ولكن في الوقت نفسه هناك قلق مرضي، يزداد مع الوقت ويؤثر في كثير من قرارات الحياة اليومية وأنشطتها، سواء في الجانب الأسري أو الشخصي أو الوظيفي أو الاجتماعي أو المالي، والمشكلة عندما يكون لدى الشخص هذا القلق ولا يطلب المعونة الطبية لمعالجته منه. وفي إصداراتها حول القلق، تقول رابطة الطب النفسي الأميركية تحت عنوان «هل تعلم ما إذا كان لديك قلق؟»: «اضطرابات القلق يمكن أن تصيب أي إنسان، وهناك علامات للأنواع المختلفة من اضطرابات القلق، وبالتواصل مع الطبيب النفسي، تتم الخطوة الأولى لسلوك طريق استعادة العافية النفسية والنشاط الروحي، لأن أكثر من 90% من الذين يعانون منه سيتحسنون أو يشفون تماما منه إذا ما نالوا المعالجة الطبية النفسية».
القلق أحد أهم أمراض العصر النفسية، وأمراض القلب أحد أهم أمراض العصر البدنية، واجتماعهما دونما تلقي معالجة كارثة صحية، والحلول الطبية العلاجية متوفرة لكل منهما، وما يبقى هو اختيار طريق الصحة والقيام بالخطوات العملية نحو بلوغها.